- ز -
وَمَجْلَى الْبَيَان.
بَيْدَ أَنَّهُمْ رُبَّمَا قَعَدَتْ بِهِمْ الذَّرَائِع عَنْ الْوُقُوعِ عَلَى ضَالَّتِهِمْ مِنْ اللَّفْظِ الْفَصِيحِ وَأَعْوَزَتْهُمْ الْقَوَالِب فِي تَصْوِير مَا يَتَمَثَّلُ لَهُمْ مِنْ الْخَوَاطِرِ عَلَى الأُسْلُوبِ الْعَرَبِيِّ الصَّحِيحِ؛ إِذْ الْعَرَبِيَّة الْيَوْمَ لُغَة أَقْوَام لَسْنَا مِنْهُمْ وَإنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرنَا أُولَئِكَ الأَقْوَام وَقَدْ دَرَجُوا وَدَرَجَتْ مَعَهُمْ فَلَمْ تَغْنَ بِنَا وَلَمْ نَغْنَ بِانْتِمَائِنَا إِلَى اللَّحْمِ وَالْعِظَامِ، وَلِذَلِكَ رَأَيْتُ أَنْ أَخْدِمَ الْمُشْتَغِلِينَ بِهَذِهِ الصِّنَاعَةِ وَإِنْ كُنْتُ أَقَلَّهُمْ بِضَاعَة بِأَنْ أَجْمَعَ لَهُمْ مِنْ مُتَرَادِفِ أَلْفَاظِ هَذِهِ اللُّغَةِ وَتَرَاكِيبهَا مَا يَجْعَلُ نَادَّهَا مِنْهُمْ عَلَى حَبْل الذِّرَاع وَيُسَدِّدُ أَقْلامهمْ لِلْجَرْي عَلَى مُحْكَمِ أُسْلُوبِهَا بِمَا يُهَيِّئُ لَهُمْ مِنْ بُعْد الْمُتَنَاوَل وَانْفِسَاح الْبَاع.
وَقَدْ نَسَقْتُ مَا جَمَعْتُهُ مِنْ ذَلِكَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَرَتَّبْتُهُ عَلَى الْمَعَانِي دُونَ الأَلْفَاظِ؛ لِتَسْهُل أَصَابَة الْغَرَض مِنْهُ عَلَى الطُّلابِ، وَجَعَلْتُ مَدَار الْكَلامِ فِيهِ عَلَى الإِنْسَانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الصِّفَاتِ وَالأَفْعَال وَمَا يَكْتَنِفُهُ مِنْ الأَشْيَاءِ وَيَعْرِضُ لَهُ مِنْ الشُّؤُونِ وَالأَحْوَالِ وَوَصْف مَا يَجِدُهُ فِي مُزَاوَلَة الأُمُورِ وَمُعَالَجَة الأَشْيَاءِ وَمَا يَنْتَظِمُ بِهِ حَالُ مُجْتَمَعِهِ مِنْ أَحْكَامِ السِّيَاسَةِ وَالْقَضَاءِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي تَعْرِضُ فِي طَرِيق الْقَلَم