ولعلة أخرى تذكر في باب التصريف، والألف لا تزاد أولاً لسكونها، فلم تبق إلا " الياء " فهي أصل هذا الباب. فلما أرادوا الفرق كانت الهمزة بفعل المتكلم أولى، لإشعارها بالضمير المستتر في الفعل، إذ هي أول حروف ذلك الضمير إذا برز فلتكن مشيرة إليه إذا أبرز.
وكانت النون بة هل المتكلمين أولى بوجودها في أول لفظ الضمير الكامن في
الفعل إذا ظهر فلتكن دالة عليه إذا خفي واستتر.
وكانت التاء من " تفعل " للمخاطب
لوجودها في ضميره المستتر فيه، وإن لم تكن في أول لفظ الضمير أعني
" أنت " ولكنها في آخره، ولم يخصوا بالدلالة عليه ما هو في أول لفظه - أعني الهمزة - لمشاركته للمتكلم فيها وفي النون، فلم يبق من لفظ الضمير إلا التاء، فجعلوها في أول الفعل علماً عليه، وإيماء إليه.
فإن قيل: فكان يلزم على هذا أن تكون الزيادة في
فعل الغائب هاء، لوجودها في لفظ ضمير الغائب إذا أبرز؟.
فالجواب: إنه لا ضمير في فعل الغائب في أصل الكلام وأكثر
موضوعه، لأن الاسم الظاهر يغني عنه، ولا يستتر ضمير الغائب حتى يتقدمه مذكور يعود علبه.
وليس كذلك فعل المتكلم والمخاطب والمخبرين عن أنفسهم، فإنه لا يخلو
أبداً من ضمير ولا يجيء بعده اسم ظاهر يكون فاعلاً به ولا مضمر أيضاً، إلا مضمراً يكون توكيداً للضمير المنطوي عليه الفعل، فتأمل ما ذكرناه، والْمَحْ ما قاله النحويون في تعليل هذه المسألة تجد طبعك يعافه، وسمعك يمجه، وعقلك لا يستسيغه، وتجد هذه الأغراض المذكورة ها هنا يدعوك إلى قبولها الحس، ويشهد بصحتها الحدس، والله المستعان ومن ها هنا ضارعت الأسماء حتى أعربت، وجرت مجرى الأسماء في دخول لام التوكيد عليها وغير ذلك، لأنها تضمنت معنى الأسماء بالحروف التي في أوائلها، فهي من حيث دلت على الحدث والزمان فعل محض، ومن حيث دلت بأوائلها على المتكلم والمخاطب ونحو ذلك متضمنة معنى الاسم، فاستحقت الإعراب الذي هو من خواص الأسماء، كما استحق الاسم المتضمن معنى الحرف البناء.