ومن فوائد هذا الأصل أيضاً إجماعهم في الرد على قولهم: (السلام
عليك) :
بالألف واللام، لأنها لو سقطت ههنا لصار الكلام خبراً محضاً كما تقدم في
قوله: " عليك دين "، و " في الدار رجل " أنه خبر عن المجرور في الحقيقة، وإذا صار خبراً بطل معنى التحية والدعاء، لأن المسلم يبدأ بالأهم وهو ذكر السلام، فليس بمسلم من قال: (عليك) ، إنما المسلم من قال: " السلام عليك) ، لأن موضوع السلام للأحياء إنما هو للأنس ورفع الوحشة والإشعار بسلامة الصدور، والدعاء لا بد فيه من ذكر المدعو، وهو السلام بالألف واللام، فإن نكرته فليس باسم من أسمائه، فعرف بالألف واللام إشعاراً بالدعاء للمخاطب وأنك راد عليه التحية لا مخبر، فلم يكن بدٌّ من
" الألف واللام " فاعرفه، والله المستعان.
وأما أوائل الرسائل فقد أجمع على إسقاط الألف واللام فيها، إذ قد تقدم أنها
مشعرة بالعموم، والكاتبُ مؤكد لخصوص نفسه بالتسليم، مشعر بسلامة وده للمكتوب إليه، ولا سيما عند افتتاح الكلام، ليشعر المكتوب إِليه الأنس والسلام من الكاتب على الخصوص من غير التفات إلى طلب العموم.
وهذا المعنى كله إنما يحصل بإسقاط " الألف واللام ".
فإذا ختم الرسالة قال: " والسلام عليك " معرفاً، وذلك لثلاث فوائد:
إحداها: أن الخصوص بسلام الكاتب قد حصل في أول الكتاب ووقع الأنس
به، فكان العموم هنا أبلغ في الدعاء، فإنه لا يخص نفسه بل يجمع له سلامة وسلام غيره.
والفائدة الثانية: أن يختم باسم من أسماء الله تعالى، كما فعل في الصلاة.
طلباً للأجر وتبركا بالذكر. واكتفى في أول الرسالة بـ بسم الله الرحمن الرحيم.
وحسبك به ذكراً.
والفائدة الثالثة بديعة جداً، وهي أن " الواو " العاطفة توجب بناء الكلام على ما تقدم لا تقول كما قال القتبي: " إنهم أرادوا السلام المتقدم عليكم "، لما رأى أن