وأما السؤال الرابع - وهو جواز التقديم والتأخير - فإن الحال الأولى يجوز فيها ذلك لأن العامل فيها لفظي، وهو ما في " أطيب " من لفظ الفعل:
فلك أن تقول:
" هذا بسراً أطيب منه رطبا "، وأن تقول: هذا أطيب بسراً منه رطباً "
وهو الأصل.
فإن قيل: فإذا كان هذا هو الأصل، فلم مثل " سيبويه " بها مقدمة، وكان ذلك أحسن عنده من أن يؤخرها؟
فالجواب: أنه أراد تأكيد معنى الحال فيها، لأنه ترجم عن الحال فلو أخرها
لأشبهت التمييز، لأنك إذا قلت: " هذا الرجل أطيب بسراً وفلان ".
فبسراً - لا محالة - تمييز، وإذا قدمت " بسراً " على " أطيب من كذا ".
فبسراً - لا محالة - حال ولا يصح أن يخبر بهذا الكلام عن رجل ولا عن شيء سوى التمر وما هو في معناه.
فإذا قلت: " هذا أطيب بسراً "، احتمل الكلام قبل تمامه وقبل النظر في
قرائن أحواله أن يكون " بسراً " تمييزاً وأن يكون حالاً، وبينهما في المعنى فرق
عظيم، فاقتضى تحصين المعنى والحرص على البيان للمراد تقديم الحال الأولى
على عاملها، ولو أخرت لجاز.
وأما الحال الثانية فلا سبيل إلى تقديمها على عاملها، لأنه معنوي، والعامل
المعنوي لا يتصور تقديم معموله عليه، لأن العامل اللفظي إذا تقدم عليه منصوبه الذي حقه التأخير، قلت فيه: " مقدم في اللفظ مؤخر في المعنى "، فقسمت العبارة بين اللفظ والمعنى.
فإذا لم يكن للعامل وجود في اللفظ لم يتصور تقديم المعمول عليه: لأنه لا
بد من تأخير المعمول عن عامله في المعنى، فلا يوجد إلا بعده، وعامله متقدم
عليه، لأنه منوي غير ملفوظ به، فلا تذهب النية والوهم إلى غير موضعه. بخلاف اللفظي فإن محل اللفظ اللسان ومحل المعنى القلب، فإذا ذهب اللسان باللفظ إلى غير موضعه لم يذهب القلب بالمعنى إلا إلى موضعه وهو التقديم، فتأمله.
وأما السؤال الخامس، وهو الاشتقاق، فإن الاشتقاق لا يلزم في الحال، إنما
يلزم فيها أن تكون صفة متحولة، لأن الحال مشتقة من التحول، فإذا كان صاحب الحال قد أوقع الفعل في صفة غير لازمة للفعل، فلا تبال أكانت مشتقة أم غير