أرادة قتلى وترة، ثم أظهر " إن "، فدل على ما قلناه.
وهذا الأصل مستتب في جميع حروف العطف إلا في " الواو " الجامعة، وهي
التي تعطف الاسم على اسم لا يصح انفراده، كقولك: اختصم زيد وعمرو، وجلست بين زيد وعمرو، فإن " الواو " ها هنا تجمع بين الاسمين في العامل، فكأنك قلت: اختصم هذان، واجتمع الرجلان، إذا قلت: اجتمع زيد وعمرو.
ومعرفة هذه الواو أصل ينبني عليه فروع كثيرة، منها أنك تقول: رأيت الذي قام زيد وأخوه، على أن تكون " الواو " جامعة، وإن كانت عاطفة لم يجز، لأن التقدير: قام زيد وقام أخوه، فخلت الصلة من عائد يعود على الموصول.
ومنه قوله سبحانه: (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) .
غلب المذكر على المؤنث لاجتماعهما، ولو قلت: طلع الشمس والقمر، يقبح ذلك، إلا أن تريد الواو الجامعة، وأما فى الآية فلا بد أن تكون جامعة، لأن لفظ " جمع " يدلُّ عليها.
* * *
وأما " الفاء " فهي موضوعة للتعقيب، وقد تكون للتسبيب والترتيب، وهما
راجعان إلى معنى التعقيب، لأن الثاني بعدهما أبداً إنما يجيء في عقب الأول.
والتسبيب نحو: " ضربتُه فبكى "، والترتيب مثل قوله سبحانه وتعالى: (أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا) ، دخلت الفاء لترتيب اللفظ، لأن الهلاك يجب تقديمه في الذكر، لأن الاهتمام به أولى، وإن كان مجيء البأس قبله في الوجود. ومثله:
إن من ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد بعد ذلك جده