هذا حرف هو عندي " إذا " التي كانت ظرفاً لما يستقبل، وكانت غير منونة من أجل إضافتها إلى ما بعدها، فخلع منها معنى الاسمية كما فعلوا ذلك بإذ وبكاف الخطاب، وبالضمائر المنفصلة في باب الفصل، خلع منها معنى (الاسم وصارت حروفاً لا مواضع) لها من الإعراب.
وكذلك فعلوا بإذا، إلا أنهم زادوا فيها التنوين
فذهبت الألف، والقياس إذا وقفت عليها أن ترجع الألف لزوال العلة، وإنما نونوها لما فصلوها عن الإضافة إذ التنوين علامة الانفصال، كما فعلوا بإذ حين فصلوها عن الإضافة، إلى الجملة فقالوا: يومئذ فصار التنوين معاقباً للجملة، إلا أن " إذاً في ذلك الموضع لم تخرج عن الاسمية (بدليل إضافة " يوم " و " حين " إليها، وإنما أخرجوها عن الاسمية، في نحو قوله تعالى:
(وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ) ، جعلها سيبويه ههنا (حرفاً بمنزلة أن)
فإن قيل: ليس شيء من هذه الأشياء التي صيرت
حروفاً بعد ما كانت أسماء، إلا وقد بقي فيها معنى من معانيها، كما بقي في
" كاف " الخطاب معنى الخطاب، وفي " على " معنى الاستعلاء، فماذا بقي في (إذ) و (إذا) من معانيهما في حال الاسمية؟
فالجواب: أنك إذا قلت: " سأفعل كذا إذا خرج زيد
أو قدم عمرو "، ففعلك مرتبط بالخروج أو القدوم مشروط به، وكذلك إذا قال لك القائل: " قد أكرمتك " فقلت: " إذن أحسن إليك "، ربطت إحسانك بإكرامه وجعلته جزاء له، فقد بقي فيهاطرف من معنى الجزاء وهي حرف، كما كان فيها معنى الجزاء وهي اسم.
وأما " إذ " في قوله تعالى: (إِذْ ظَلَمْتُمْ) ففيها معنى الاقتران بين الفعلين، كما
كان فيها ذلك في حال الظرفية، تقول: لأضربن زيداً إذ شتمني " فهي - وإن لم تكن ظرفاً ففيها من المعنى الأول طرف، كأنك تنبهه على أنك تجازيه على ما كان منه إذ شتم، فإن لم يكن الضرب واقعاً في حال الشتم، فله رد عليه وتنيه عليه.
فقد لاح