ومن أهل البدع من يكون فيه إيمانٌ باطناً وظاهراً، لكن فيه جهلٌ وظلمٌ حتى أخطأ ما أخطأ من السنة، فهذا ليس بكافر ولا منافق، ثم قد يكون منه عدوانٌ وظلمٌ يكون به فاسقاً أو عاصياً، وقد يكون مخطئاً متأولاً مغفوراً له خطؤه، وقد يكون مع ذلك معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه، فهذا أحد الأصلين.

والأصل الثاني: أن المقالة تكون كفراً: كجحد وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج، وتحليل الزنا والخمر والميسر ونكاح ذوات المحارم، ثم القائل بها قد يكون بحيث لم يبلغه الخطاب وكذا لا يكفر به جاحده، كمن هو حديث عهد بالإسلام، أو نشأ بباديةٍ بعيدةً لم تبلغه شرائع الإسلام، فهذا لا يحكم بكفره بجحد شيءٍ مما أنزل على الرسول إذا لم يعلم أنه أنزل على الرسول، ومقالات الجهمية هي من هذا النوع، فإنها جحد لما هو الرب (تعالى) عليه، ولما أنزل الله على رسوله.

وتغلظ مقالاتهم من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن النصوص المخالفة لقولهم في الكتاب والسنة والإجماع كثيرة جداً مشهورة وإنما يردونها بالتحريف.

الثاني: أن حقيقة قولهم تعطيل الصانع، وإن كان منهم من لا يعلم أن قولهم مستلزم تعطيل الصانع. فكما أن أصل الإيمان الإقرار بالله، فأصل الكفر الإنكار لله.

الثالث: أنهم يخالفون ما اتفقت عليه الملل كلها وأهل الفطر السليمة كلها، لكن مع هذا قد يخفى كثير من مقالاتهم على كثيرٍ من أهل الإيمان حتى يظن أن الحق معهم، لما يوردونه من الشبهات، ويكون أولئك المؤمنون مؤمنين بالله ورسوله باطناً وظاهراً؛ وإنما التبس عليهم واشتبه هذا، كما التبس على غيرهم من أصناف المبتدعة، فهؤلاء ليسوا كفاراً قطعاً، بل قد يكون منهم الفاسق والعاصي، وقد يكون منهم المخطئ المغفور له، وقد يكون معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه به من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه).

البدعة نوعان:

لا شك أن كل بدعة ضلالة، ومجاوزة لحدود الله، واتهامٌ للشريعة بالنقص والقصور، وهي من هذه الجهة كبيرة وأي كبيرة، بل هي كفر بالله ورسالاته.

لكن إذا أضيفت البدع بعضها إلى بعض، تفاوتت رتبها، فبعضها يقدح في أصل الإيمان وهي البدع المكفرة، وآخر يقدح في كماله الواجب أو المستحب، وهي ما يكون من البدع في مرتبة الكبيرة أو الصغيرة (?):

فالبدعة المكفرة تكون بإنكار أمرٍ مجمعٍ عليه متواتر من الشرع معلومٌ من الدين بالضرورة، من جحود مفروض، أو فرض ما لم يفرض، أو تحليل محرم، أو تحريم حلال، أو اعتقاد ما ينزه الله ورسوله وكتابه عنه من نفي أو إثبات، ويدخل في ذلك اعتقاد إلهية في بعض البشر كما فعلت النصارى في عيسى عليه السلام، وغالية الشيعة في علي رضي الله عنه، وغالية المتصوفة مع بعض الشيوخ، ويدخل في ذلك -أيضاً- نفي الأسماء والصفات عن الله تعالى؛ لأنه تكذيبٌ للنصوص المتواترة المعلومة من الدين بالضرورة ولما يستلزم من تشبيه الله تعالى بالمعدومات، ويدخل في ذلك -أيضاً- قول من يقول: العقل أو الذوق أو السياسة حجة مقطوعٌ بها، وتعارض بها الشريعة، وقول من يقول: أنا لا أحتاج -في أمور الديانة- إلى محمد صلى الله عليه وسلم، أو أنا معه كالخضر مع موسى لا تلزمني شريعته أو نحو ذلك من المقالات الكفرية (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015