هذا وقد سلك الشوكاني رحمه الله تعالى طريقة السلف في الاستدلال لكل مسألة من مسائل العقيدة التي أثبتها، فيقدّم الأدلة النقلية على العقلية، ويقدّم المعنى الظاهر من النصوص على معنى المجاز منها، كما في كتابه التحف، إلا في مسألة المعيّة كما تقدّم إيضاحه في فقرة (2)، وكذلك في تفسيره لمسألة الاستواء وغيرها من الصفات التي أثبتها في تفسيره ولم يؤولها. أما ما يظهر في كتبه من اضطراب وتناقض في هذا الباب وغيره وخالف فيه السلف أهل السنة فيمكن الاعتذار عنه بأنه نشأ وترعرع في بيئة زيدية، وكانت دراسته داخلها ولم يخرج منها، فلعلّ الظروف المحيطة بهذه البيئة لم تتهيأ له كثيراً للاطلاع على كتب أئمة السلف أهل السنة والجماعة.
هذا وقد أخطأ الشوكاني فيما أخطأ، ولا ندّعي له العصمة، ولا نقول عنه إلا أنه من البشر، والبشر يُخطئون ويصيبون، وكما قال هو نفسه:
(إن الخطأ شأن البشر، وكل أحدٍ يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، والأهوية تختلف، والمقاصد تتباين، وربُّك يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون) (?).
ورحمه الله إذ قال:
فكّرت في علمي وفي أعمالي ونظرت في قولي وفي أفعالي
فوجدت ما أخشاه منها فوق ما أرجو فطاحت عند ذا آمالي
ورجعت نحو الرحمة العظمى إلى ما أرتجي من فضل ذي الإفضال
فغدا الرجا والخوف يعتلجان في صدري وهذا منتهى أحوالي (?)
وأخيراً أحمد الله تعالى وأشكره الذي أعانني على إتمام هذا البحث وإخراجه بهذه الصورة، وإنني معترفٌ هنا بالتقصير، فإن كان ما ذكرته في بحثي هذا وما عرضته فيه حقاً وصواباً فهذا من فضل الله وحده، فله الحمد والشكر أوّلاً وآخراً، وما كان منه من خطأ وزلل فهو منّي ومن الشيطان، وأستغفر الله من ذلك وأتوب إليه.
وفي الختام أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا اتباع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم اتباعاً سليماً نقياً خالياً من البدع والأهواء كما كان عليه سلف هذه الأمة وأن يجنبنا الزلل ومزالق الأهواء، وأن يغفر لي ولوالدي ولمشايخي ولجميع المسلمين إنه سميعٌ مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.