4 - تفقّه الشوكاني رحمه الله على مذهب الزيدية، إلا أنّه لم يلبث أن تخلّى عن التقليد والتمذهب، وأصبح لا يتقيّد بفرقة من الفرق أو مذهبٍ من المذاهب، بل اعتمد اعتماداً مباشراً على الكتاب والسنّة، وأصبح من المجتهدين في البحث عن الحكم الشرعي والرأي العقائدية من خلال الأدلة والبراهين، لا من طريق التقليد والتلقين، وقد وصل إلى هذه المرتبة وهو دون الثلاثين من عمره، وكانت دعوته إلى الاجتهاد ونبذ التقليد والرجوع بالتشريع إلى طريق السلف تمثّل امتداداً لأدوار من سبقه من المجدّدين والمصلحين، كالإمام مالك، وأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وكابن الوزيرن والمقبلي، والأمير الصنعاني، والإمام محمد بن عبد الوهاب، ونظائرهم، رحمهم الله. وقد تعرّض في سبيل هذه الدعوة لأذى كثير من المتعصّبين والمقلّدين في عصره، واتّهموه بالدعوة إلى هدم مذهب أهل البيت، وهو بريء من هذه التهمة، وهذا شأنهم مع كل عالمٍ مجتهدٍ آخذٍ بالدليل.
5 - أورد الشوكاني رحمه الله تعالى أحاديث ضعيفة ومنكرة في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بعض كتبه، وألّف في آخر عمره كتابه: الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، حيث بيّن فيه نكارة كثيرٍ من تلك الأحاديث. وهذا يدل على أنه لم يتبيّن له ما في تلك الأحاديث من النكارة، ولمّا نضج علمه توصّل إلى هذه النتيجة في الحكم عليها، وهو أمرٌ يدلُّ على تطوّر في علمه بعلوم الحديث، شأنه كشأن غيره من العلماء المجتهدين.
6 - من خلال دراستي لمنهج الشوكاني في العقيدة تبيّن لي أنّه وافق السلف أهل السنة في جميع أركان الإيمان الستة، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر، ولم يخالفهم إلا في مسائل قليلة، وكان رأيه في بعضها مضطرباً بين كتاب وآخر، كما في بعض الصفات. وفيما يلي أذكر تلك المسائل مختصراً.
أ) - في توحيد الألوهية:
أجاز التوسّل بالذات والجاه وجعله كالتوسّل بالعمل الصالح، وهذا مخالفٌ لما قرّره ودعا إليه في عدد من كتبه من محاربة الشرك وسدّ الذرائع المؤدّية إليه.
ب) - في أسماء الله تعالى:
ذهب إلى جواز تسمية الله بما ثبت من صفاته، سواءً ورد التوقيف بها أو لم يرد. غير أني لم أقف على تطبيق الشوكاني هذه القاعدة، لا في تفسيره، ولا في غيره.
ج) - في صفات الله تعالى:
1 - أوّل بعض الصفات الإلهية في تفسيره: فتح القدير تأويلاً أشعرياً، والصفات التي أوّلها هي: الوجه، والعين، واليد، والعلوّ، والمجيء، والإتيان، والمحبّة، والغضب، على التفصيل الذي ذكرته في الرسالة. وهذا التأويل مناقض لمنهجه في رسالته التحف في إثبات الصفات على ظاهرها من غير تحريفٍ ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهو مذهب السلف رضوان الله عليهم.
2 - نهج منهج أهل التفويض في صفة المعية في رسالته التحف، فلم يفسّرها بمعيّة العلم، بل زعم أنّ هذا التفسير شعبة من شعب التأويل المخالف لمذهب السلف. وهذا مخالف لما ذهب إليه في تفسيره وفي كتابه تحفة الذاكرين من أنّ هذه المعية معيّة العلم، وفسّرها هنا تفسير السلف.
3 - ذهب مذهب الواقفية في مسألة خلق القرآن، فلم يجزم برأي هل هو مخلوق أو غير مخلوق.
د) - في نواقض التوحيد:
1 - أجاز تحرّي الدعاء عند قبور الأنبياء والصالحين باعتبارها أماكن مباركةً يستجاب الدعاء فيها. وهذا مخالفٌ لما قرّره ودعا إليه في عدد من كتبه من سد الذرائع إلى الشرك في الأموات.
2 - جعل الحلف بالقرآن كالحلف بمخلوق من مخلوقات الله.
هـ) - في النبوات:
يرى التوقف في مسألة التفضيل بين الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.