¤محمد بن عبدالعزيز الخضيري£بدون¥دار الوطن - الرياض¨الأولى¢1420هـ€تفسير¶إجماع
الخاتمة
"نسأل الله الكريم حسنها"
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وبعد هذا التطواف الطويل، ألقي عصا المسير، مستخلصاً أهمَّ النتائج التي خلصت إليها فأقول:
ـ الإجماع يطلق في اللغة على معنيين: العزم، والاتفاق.
ـ أما في الاصطلاح فالإجماع: "هو اتفاق مجتهدي الأمة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في عصر، على أي أمرٍ كان "وهذا من أجمع التعريفات.
ـ بينت أن الإجماع حق مقطوع به في دين الله، وأنه أصل عظيم من أصول الدين، ومصدر من مصادر الشريعة، ولذلك يتحتم على طالب الحق معرفته، لئلا يكون في عداد المشاقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، المتبعين غير سبيل المؤمنين، فيحق عليه الوعيد المذكور في قوله تعالى: ?وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً? [سورة النساء].
ـ وقد بينت أن مرتبة الإجماع تلي مرتبة الكتاب والسنة، وهذا هو مذهب السلف الصالح، خلافاًَ لبعض المتأخرين الذين يقدمون الإجماع في المرتبة على الكتاب والسنة، والتي نشأ عنها معارضة الكتاب والسنة بالإجماع المجهول.
ـ أما الإجماع القطعي ـ كالإجماع على المعلوم من الدين بالضرورة ـ فإن العلماء يقدمونه على النصوص، لأن واقع الأمر أنه تقديم للنصوص القطعية الثبوت والدلالة على النصوص الظنية الثبوت أو الدلالة، لا أنه تقديم للإجماع على النص.
ـ ثم ذكرت أهمَّ الفوائد التي ذكرها العلماء للإجماع، ومن ذلك:
1ـ الإجماع على المعلوم بالضرورة من الدين يُظْهر حجم الأمور التي اتفقت فيها الأمة، بحيث لا يستطيع أهلُ الزيغ والضلال إفسادَ دين المسلمين، وحال أهل الكتاب في اختلافهم في أصول دينهم أدلُّ على النعمة التي اختصت بها الأمة الإسلامية.
2ـ العلم بالقضايا المجمع عليها من الأمة يعطي الثقة التامة بهذا الدين، ويؤلف قلوب المسلمين، ويسدُّ البابَ على من يقول: إن الأمة مختلفة في كل شيء، فكيف تجتمع؟
3ـ إنه قد يخفي النص على بعض الناس، ويعلم الإجماع فيحتج به.
4ـ إن السند الذي يقوم عليه الإجماع قد يكون ظنياً، فيرتفع بالإجماع عليه إلى مرتبة القطع.
5ـ إن النصوص تحتمل التأويل والتخصيص والنسخ ونحو ذلك، والإجماع يرفع الاحتمال، ويقي المجتهد متاعب النظر والاستدلال.
6ـ التشنيع على المخالفين بالجرأة على مخافة الإجماع، فيكون ذلك سبباً لزجر المخالف، وردعه عن التمادي في باطله.
ـ بينت في الحديث عن حجية الإجماع، إمكان وقوع الإجماع عادة، وإمكان العلم به، بعد تحققه من المجتهدين، وإن كان نقله نقلاً صحيحاً إلى من يحتج به.
ـ ثم ذكرت الأدلة على حجية الإجماع من الكتاب والسنة بعد أن قررت أن الدليل على ثبوت الإجماع إنما هو دليل الشرع لا العقل.
ـ وقد بينت أن هذه الأدلة قد دلت على أمرين مهمين:
الأول: إن العصمة ثابتة لمجموع الأمة، دون اشتراط عدد معين، فمتى ثبت الإجماع، وجب اتباعه، دون أن يكون من شرطه أن يبلغ المجمعون عدد التواتر.
الثاني: أن الإجماع حجةٌ ماضية في جميع العصور، وليس ذلك محصواً في عهد الصحابة دون غيرهم.