¤حسن كوناكاتا£بدون¥دار الأخلاء - الدمام¨الأولى¢1415هـ€تراجم¶ابن تيمية - ترجمة كاملة أو دراسة منهجية
الخاتمة
بهذا يكون قد تكشف لنا عديد من النتائج الهامة التي تمخض عنها هذا البحث. ويجدر بنا الآن في النهاية أن نُجمل أهم تلك النتائج. فقد تبين أنه رغم سبق جهود أبي يوسف الفقهية في تحديد وظائف الإمامة إلا أن السؤال عن ماهية الإمامة وأسسها النظرية طرح أولاً في علم الكلام لا في علم الفقه.
وتم تأسيس الإمامة نظرياً على المستوى الفقهي بقدوم الماوردي وأبي يعلى اللذين وضعا لها تعريفاً وحددا ما هيتها وشروطها وطرق انعقادها ووظائفها. ولقد أعطى كل منهما للإمامة شكل البنية الهرمية الذي يقضي بوضع الإمام على قمة المجتمع.
والعقد الذي تحدث عنه الفقهاء من خلال اختيار أهل الحل والعقد ليس عقداً اجتماعياً على الغرار الذي تحدث عنه هوبز وروسو ولوك. وإنما عقد حكومي لأن شرعية الإمامة ذاتها تأتي من كونها خلافة للنبوة، وليس من كونها نابعة من الشعب، وذلك أن أهل الحل والعقد أنفسهم ليسوا من اختيار الشعب ولا يستمدون سلطتهم في الاختيار منهم.
قبل الفقهاء الشافعية والحنابلة والمالكية النتائج التي توصل إليها الماوردي وأبو يعلى بخصوص شروط الإمامة وطرق انعقادها مع إدخال بعض التعديلات على نحو تدريجي كما يتضح من تطور الفقه الإسلامي.
وكان أهم تعديل تمخض عنه هذا التطور هو اعترافهم بإمامة المتغلب بالقهر والقوة واعتبارهم أن الاستيلاء طريقاً شرعياً ثالثًا لانعقاد الإمامة.
ولقد أصبح القهر والغلبة هو الطريق الأساسي لانعقاد الإمامة عند الأحناف المتأخرين نظراً لرضوخهم الواضح تجاه سياسة الأمر الواقع، ومن هنا فلم يعولوا كثيراً على الإجراءات الفقهية كالبيعة والاستخلاف. ولكن رغم ذلك لم يتخلوا عن التصور المثالي لانعقاد الإمامة، واعتبروا أن تحقق نظام الحكم المثالي لا يتأتى إلا إذا توفرت شروط الإمامة في الإمام الحاكم وإن كان هذا لا ينفي شرعية القهر والغلبة.
فقد كان هناك فريق ثالث لا يوليها أي اهتمام فقهي وأخرجها تماماًَ من النسق الفقهي العام. وتنوعت أسباب هذا الإهمال أو التجاهل بين اعتبارها من موضوعات علم الكلام أو علم الحديث وبين الخوف من تناولها في ظل ظروف سياسية سيئة تقوم على القهر والبطش.
ولا يتميز موقف ابن تيمية عن مواقف التيارات المخالفة لأهل السنة والجماعة فحسب، بل يتميز عن موقف الفقهاء والمتكلمين من أهل السنة والجماعة أيضاً.
ولقد أدت تحليلات ابن تيمية لواقع الأمة وتاريخ ظهور الأئمة إلى نظرية الغلبة والقهر في تعيين الإمام، إذ يدل هذا التاريخ عنده على أن معظم الأئمة جاءوا نتيجة القهر والغلبة. ولم يحدث انتخاب على الطريقة الديمقراطية وفق مفهومها الحديث. وعندما حدث نوع من المبايعة، فقد كانت هذه المبايعة لاحقة على تمكن الإمام من السلطة، أي أن البيعة جاءت لتأييد أمر واقع وكتصديق عليه باستثناء حالة أو حالتين.
لكن لا يعني هذا أن الغلبة والقهر هما الجانب الوحيد في نظرية ابن تيمية، بل هناك جانبان هامان هما: النص، والمبايعة. غير أن الغلبة والقهر هما الجانب الأهم والأكثر فعالية، بدليل أن البيعة عنده ليست هي "بيعة أهل الحل والعقد"، كما عبر عنها بعض الفقهاء على نحو مثالي، وإنما هي "بيعة أهل الشوكة" أي ذوي القوة والسيف.