¤إسماعيل بن محمد البشري£بدون¥مكتبة العبيكان- الرياض¨الأولى¢1423هـ€تاريخ¶تاريخ - الدولة العثمانية
الخاتمة:
وهكذا ظهر لنا من خلال هذه الدراسة الكيفية التي انتقلت بها السلطة في إمارة (أبو عريش)، حيث بدأ دور آخر من أدوار تاريخها الحديث في ظل فرع آخر من الأشراف هو فرع (آل حيدر) الذي أعلن الولاء والطاعة لمحمد علي باشا، وأصبح الشريف علي بن حيدر الحسني ممثلاً للإدارة العثمانية المصرية في المنطقة.
ومن الغريب أن الشريف علي بن حيدر لم يحاول الاستفادة من هذه التبعية بشكل كبير لمساعدته في إحكام قبضته على إمارته من ناحية, ولم يحاول – من جهة أخرى – أن يتخلص من هذه التبعية، بل اكتفى بما يشبه التبعية الإسمية مع وجود بعض الجنود العثمانيين ضمن قواته، وإن لم يكن لهم أي دور في استقرار الأوضاع في المنطقة التي كانت مسرحاً لهجمات قبائل يام عليها بين الحين والآخر بدعوة من الشريف حيناً, وبدون دعوة أحياناً أخرى.
وقد شهدت المنطقة في ظل الحكم المصري الكثير من الصراعات والمناوشات بعد غياب حكم الشريف حمود أبو مسمار القوي، وبروز الأطماع والتنافسات الأسرية والمحلية, خاصة وأن الشريف علي بن حيدر قد وصل إلى السلطة تحت الحراب العثمانية التي يعتبرها أهالي المنطقة قوات غازية ودخيلة.
وقد اتضح لنا كيف كانت إمارة عسير تلعب دوراً رئيسياً في مقاومة قوات محمد علي باشا في المنطقة, ومحاولات علي بن مجثل وخلفه عائض بن مرعي المتتالية للسيطرة على إمارة (أبو عريش) , واستغلال جميع القوى المحلية المناهضة من الأشراف وغيرهم، وكذلك استثمار القوى الثائرة ضد محمد علي باشا مثل تركجة بيلمز وقواته، والعسيريون يدركون أن إمارة (أبو عريش) تمثل باباً خلفياً لإمارتهم فلابد من تأمين ذلك باستمرار، ولعل في قبولهم في معظم الأحيان بالسيطرة على (صبيا) ومخلافها ما يدل على ذلك.
أما بعد وفاة الشريف علي بن حيدر، فقد ظهر لنا على مسرح الإمارة في (أبو عريش) شخصية بارزة من الأشراف لديها من الطموح والقدرات السياسية والعسكرية ما كان يفوق قدرات وإمكانات الإمارة نفسها ألا وهو الشريف حسين بن علي بن حيدر.
لقد خلف الشريف الحسين والده وساعدته الظروف بانسحاب محمد علي باشا من الجزيرة العربية مما هيأ له الفرصة للسيطرة على الإمارة مستقلاً إلى حد كبير عن أي سلطة خارجية، وقد أظهر لنا البحث شيئاً يسيراً من طموحات الشريف الحسين من خلال سيطرته على السواحل اليمنية وإخضاعها لحكمه.
لقد كانت أزمة (مخا) بين الشريف والقنصل الإنجليزي هناك سبباً في بروز الاهتمام العثماني بالمنطقة، وحرص الباب العالي على إثبات سيطرته على السواحل اليمنية خاصة بعد احتلال بريطانيا لعدن، ولذلك فإن أزمة (مخا) قد دفعت بإمارة (أبو عريش) إلى مسرح الأحداث في خضم التنافس الدولي في البحر الأحمر، وقد كشف لنا البحث عن جهود الدولة العثمانية في سبيل تأكيد سيطرتها على إمارة (أبو عريش) والسواحل اليمنية من خلال مبعوثها أشرف بك، ثم وقوفها ضد أطماع بريطانيا في المنطقة.
ومن خلال الدراسة ظهر لنا أن الشريف الحسين بن علي بن حيدر قد كان يدرك إلى حد كبير الأطماع البريطانية، وكان له دور ملموس في محاولة استنهاض همة الدولة العثمانية لطرد البريطانيين من عدن، إضافة إلى جهوده الشخصية لمضايقة البريطانيين والمتعاملين معهم في ميناء (مخا) , واستقطاب القوى المناهضة للتدخل الأجنبي في المنطقة، وإن كان ذلك يدل على غيرة الشريف الحسين الدينية وحرصه على بلاده، إلا أنه يلقي الضوء من ناحية أخرى على أن الشريف لم يتفهم الموقف الدولي في تلك الفترة, وما كانت تعانيه الدولة العثمانية من تفكك وانهيار وضعف أمام القوى الاستعمارية.
لقد أدت أزمة (مخا) إلى إعلان الشريف تبعيته للسلطان العثماني الذي أصدر الفرمان القاضي بتعيين الشريف حاكماً على السواحل اليمنية وتثبيته أميراً على (أبو عريش) , حيث دخلت تلك الإمارة مرة أخرى تحت سلطة الباب العالي, ومن ثم الدخول في تعقيدات سياسية جديدة خاصة مع طموحات الشريف غير المحدودة في السيطرة على اليمن الأعلى، حيث تبرز تناقضات السياسة العثمانية تجاه المنطقة خلال السنوات التي تلت أزمة (مخا)، وهذا الموضوع سيكون محل دراسة أخرى –إن شاء الله تعالى- والله ولي التوفيق.