رابعا: وهناك نوع من الحوادث تختلف دلالته بين رواية ابن إسحاق وبين الصحيحين، وتبرز الفروق جلية واضحة بينهما، وقد أبنت في فصول الرسالة أشياء كثيرة من هذا النوع ومن أمثلة هذا النوع. الاختلاف في كيفية بدء الوحي ونزول جبريل أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فحين تعرضه رواية ابن إسحاق والنبي صلى الله عليه وسلم نائم، تؤكد رواية الصحيحين أن ذلك كان في اليقظة. وأول ما نزل من القرآن – بعد فترة الوحي- سورة " الضحى" في رواية ابن إسحاق بينما في رواية الصحيحين سورة " المدثر". وفي موت ورقة بن نوفل خلاف بين رواية إسحاق والشيخين في تحديد زمنها، فتذكره الأولى بعد أن اشتهر الإسلام، وعذب من عذب من المؤمنين، وتذكره الأخرى بعد بدء الوحي وقبل إظهار الإسلام. وفي هجرة الحبشة تذكر رواية ابن إسحاق هجرة أبي موسى الأشعري ومن معه من مكة، بينما تذكره رواية الصحيحين من اليمن، وكذا الخلاف في أول من هاجر إلى المدينة من المسلمين. ومن أعظم الخلاف بين رواية الصحيحين وابن إسحاق خلافهما في موت أبي طالب، وهل كان على الإسلام كما يفهم من رواية ابن إسحاق أم على الكفر كما في رواية الصحيحين وصريح القرآن. هذه نماذج لاختلاف الرواية بين ابن إسحاق والشيخين في الفترة المكية، ولو انتقلنا إلى الفترة المدنية لوجدنا من ذلك – أيضا- الشيء الكثير؛ من أمثلته: في سرية " الرجيع" ذكر ابن إسحاق أن عدة أصحابها ستة نفر، وأميرهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي بينما نجد في البخاري أن عدتهم عشرة، وأميرهم عاصم بن ثابت بن الأقلح، والقراء الذين قتلوا في بئر معونة عدتهم عند ابن إسحاق أربعون رجلا وعند البخاري ومسلم سبعون رجلا. وأصحاب الحديبية عند ابن إسحاق سبعمائة، والذي في الصحيحين أنهم ألف وأربعمائة أو أكثر، إلى غير ذلك من مناحي الاختلاف.
وأخيرا أشكره تعالى على ما يسر وأعان على إنجاز هذا البحث، وأقول: ومع ما قضيته فيه من الوقت، وما أفرغته فيه من الجهد ما وسعني الجهد، فإنني أقف في الخاتمة معتذرا عما زل به القلم مما هو مندرج تحت طبائع البشر وتقصيرهم.
أسأله تعالى أن يتجاوز عن الخطأ حيث وقع وأن يجزي على الصواب الذي إليه هدى .. وهو حسبي ونعم الوكيل. وصلى الله على نبينا محمد.