¤سليمان بن حمد العودة£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1423هـ€سيرة وشمائل محمدية¶دراسات توثيقية ومنهجية
الحمد لله أولاً وآخراً، وهو الذي بنعمته تتم الصالحات .. وبعد: ففي نهاية هذه الرسالة، ومن خلال المقارنة بين رواية الصحيحين، وابن إسحاق في أحداث السيرة نستطيع أن نسجل الملحوظات الآتية: أولا: كثرة أحداث السيرة في الصحيحين خاصة في البخاري بشكل لا يتوقعه الباحث لكن جمع ذلك يحتاج إلى نوع من التقصي تفرضه طبيعة منهجهما التي سبق الحديث عنها وهذا المنهج من الدقة أحيانا وعدم الوضوح أحيانا بحيث يحتاج إلى إمعان نظر والرجوع إلى الشروح المعتبرة لتسهم في بيان المجمل وإيضاح المشكل. ومع هذه الكثرة تنتظم رواية الصحيحين جميع أحداث السيرة، ولعل من أبرز الإسناد في ذلك أن الشيخين اشترطا للتدوين في صحيحيهما علوا في الإسناد تقصر دونه بعض الأحداث في السيرة، وقبلها غيرهما كابن إسحاق وغيره من أرباب السير، بل وأصحاب كتب الحديث الأخرى الذين لم يلتزموا بشرط الشيخين. ومن هذه الأحداث التي أغفلتها رواية الصحيحين – في الفترة المكية حديث إرضاع حليمة السعدية للنبي صلى الله عليه وسلم، وفترة إقامته في بادية بني سعد، يستثنى من ذلك حديث مسلم عن شق الصدر في تلك الفترة. ومنها حديث ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام مع عمه إلى الشام وقصته مع " بحيرى" الراهب. ومنه: خبر إسلام عمه حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه. ومنها: الروايات في عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل.
ثانيا: وهناك نوع من الحوادث في السيرة وردت الإشارة إليها في الصحيحين بشكل مجمل دون الإسهاب في تفصيلاتها، وهذا النوع نستفيد منه بتوثيق أصل الحادثة الواردة عن ابن إسحاق، لورودها في الصحيحين أو أحدهما ونحتاج في تفصيلاتها إلى نوع من الدراسة المنهجية الناقدة لنتبين الصحيح من الضعيف. ومن نماذج هذا النوع حادثة حصار الشعب، وتزويج خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم وإسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه، والهجرة إلى الحبشة .. ونحوها.
ثالثا: وفي مقابل هذا نجد في الصحيحين روايات لا وجود لها عند ابن إسحاق، وهذه تضيف إلى نصوص السيرة المشهورة نصوصا أخرى ربما غفل عنها بعض الباحثين، ففي " شق الصدر" مثلا تتفق رواية الصحيحين مع ابن إسحاق على شق صدره صلى الله عليه وسلم وهو في بني سعد، وتزيد رواية الصحيحين بذكر الواقعة مرة أخرى عند الإسراء والمعراج، وكذا " انشقاق القمر" وهو من معجزات النبوة في مكة تثبته رواية الصحيحين، ولم أجد له ذكرا عند ابن إسحاق. ومثال ذلك يقال في صعوده صلى الله عليه وسلم جبل جراء بمكة هو ونفر من أصحابه، وإخباره حينها عن أمور غيبية وقعت كما أخبر، وهذه ليس لها ذكر عند ابن إسحاق، وهي من روايات " مسلم" وفي وقائع الهجرة إلى المدينة تضيف رواية الصحيحين في طريق الهجرة أحداثا لم تأتي عليها رواية " ابن إسحاق" كخبر الراعي، ولقيا النبي صلى الله عليه وسلم للزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام، هذا فضلا عما في قصة " سراقة" من زيادات لا تذكرها رواية ابن إسحاق، كما سبق بيان ذلك.