استفاد الشيخ مبارك آل صباح من مخاوف الإنجليز لمحاولات روسيا في الوصول إلى الكويت لتحقيق طموحاته والحصول على الحماية التي وضعت قيوداً على الشيخ وتحركاته وعلاقاته بالدول الأخرى، مما جعل المتغيرات السياسية في المنطقة وسيلة اندفاع عند بعض مشايخ الخليج للمحافظة على استقلال مشيخاتهم.

فترتب على ذلك معارضة روسيا لاتفاقية الحماية البريطانية الكويتية عام 1316هـ/ 1899م التي كان من شأنها إحباط خطط روسيا في المنطقة، واتهامها بريطانيا بخرق الوضع الراهن في المنطقة، وكان ضعف الدولة العثمانية في إشرافها على بعض الولايات العثمانية سبباً في تمكين بعض الدول الكبرى من عقد اتفاقيات مع شيوخها، أدت إلى اسقتلال الوالي بولايته.

ونظراً لإدراك القوى المحلية في المنطقة لمجريات الأحداث وتطلعات الأمم الأخرى التي كانت طامعة في اقتسام وابتلاع ما يمكنها ابتلاعه، حاول ابن رشيد طلب الحماية من روسيا في محاولة للتأثير في بريطانيا لعقد اتفاقية معه، والأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بالإيعاز لبريطانيا لدعمه في مواجهة الدولة العثمانية.

وفي الوقت نفسه أظهرت الدولة العثمانية انزعاجها من زيارة اللورد (كيرزون Curzon) للخليج، والتي قد تسبب ثورة العرب ضد الحكم العثماني، فامتنعت بريطانيا من التدخل في وسط شبه الجزيرة خوفاً من حدوث تقارب ألماني عثماني، مما قد يؤدي إلى عودة السيادة العثمانية على المنطقة، ومع ذلك سعت بريطانيا لإضعاف النفوذ العثماني لا القضاء عليه حتى لا تتيح لروسيا فرصة الاستيلاء على الأناضول، وبالتالي السيطرة على مضيقي البسفور والدردنيل للمحافظة على أمن خطوط مواصلاتها مع الهند.

والجدير بالذكر أن بريطانيا هدفت إلى إضعاف فارس تمهيداً لزيادة السيطرة عليها، والتدخل في شؤونها، وبخاصة أن الخطر الروسي ليس خطراً عسكرياً فحسب، بل هو استعمار اقتصادي لمنطقة الشرق الأدنى، فبدأت المناورات العسكرية البحرية الإنجليزية، لاستعراض قوة البحرية البريطانية لوقف النشاط الروسي، كما بدأت في إثارة القلاقل في وجه الروس في العراق وداخل روسي الوسطى، لتشتيت القوات الروسية، ومنها من الاقتراب من الخليج.

وهكذا امتازت العلاقة بين روسيا وبريطانيا بالتصادم، وكانت الأراضي الإسلامية مجالاً واسعاً لهذا التصادم، فاستخدمت بريطانيا الوفاق الودي البريطاني الياباني عام 1320هـ/ 1902م لمنع تدخل الروس في المنطقة الذي شكل اتفاقاً دبلوماسياً لإعلان الحرب على روسيا.

يضاف إلى ذلك هزيمة روسيا في حربها مع اليابان عام 1323هـ/ 1905م، التي كان لها أثر كبير في تحويل روسيا عن المجال الآسيوي إلى المجال الأوربي، وخاصة في شبه جزيرة البلقان، وقد أثبتت الشعوب الأسيوية قدرتها على تحدي المستعمر الأبيض، وقد شكلت هزيمة روسيا بداية يقظة آسيا وانفراجها.

وبسيطرة بريطانيا على الخليج ضمنت لنفسها امتلاك الطريق التجاري الكبير المتمثل في الخليج، وفي منطقة ما بين النهرين، هذا الطريق الذي سينافس طريق البحر الأحمر ومصر، ولما كانت الهند محور سياسة الإنجليز التوسعية، رغبوا في عمل شبكة مواصلات تربط الموانئ الهندية والخليج العربي بشواطئ سوريا والبحر الأسود، نظراً لموقع الخليج في الطريق إلى الهند.

وقد أسفر الصراع الروسي الإنجليزي للسيطرة على المنطقة عن فشل محاولات روسيا في تحقيق أهدافها في مختلف مناطق الخليج بما فيها المحمرة، وعن اقتسام النفوذ في فارس: شمال فارس لروسيا وجنوبها لبريطانيا، بموجب اتفاق بطرسبرج عام 1325هـ/ 1907م الذي حل جميع المشكلات القائمة بين بريطانيا وروسيا في منطقة وسط آسيا: أفغانستان والهند، وغربها: الخليج العربي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015