وزيادة في السيطرة فإن روسيا فرضت تعرفة جمركية مرتفعة على البضائع البريطانية لمنافسة التجارة البريطانية في فارس، وقد ركزت روسيا على الامتيازات في فارس التي تتيح لها الفرصة للنفوذ والسيطرة والتوسع، وركزت روسيا أيضاً على مشروعات السكك الحديدية لتكون وسيلة لامتلاك الخليج والسيطرة عليه، فتحولت مشروعات السكك الحديدية إلى حرب اقتصادية وثقافية دولية مهدت للاحتلال العسكري والسياسي.
استخدمت روسيا المصارف والقروض وسائل لعرقلة النشاط البريطاني في فارس، وتشويه سمعة البنوك، البريطانية فيها، كما استخدمت القروض وسائل ضغط لتخفيض الرسوم الجمركية على جميع ما تصدره روسيا لفارس، وترتب على ذلك ازدياد الشغب من قبل الشعب الفارسي، بخاصة علماء الدين، وكان ذلك سبباً في فرض الضرائب الباهظة على السلع الضرورية.
وسعت روسيا أيضاً لإنشاء خط ملاحي روسي لربط موانئ روسيا بالخليج لتقوية التبادل التجاري بين المنطقتين، بالإضافة إلى الطب الذي استخدمته روسيا ذريعة للتدخل في شؤون فارس والخليج، فأصبحت هذه المهنة مرتبطة بأمور سياسية للتأثير في سكان المنطقة، مما أثار حفيظة بريطانيا وقلقها، بخاصة أن الأطباء كانوا يرسلون التقارير السياسية الرسمية إلى الحكومة الروسية، وكان الهدف هو مضايقة الإنجليز وعرقلة الطريق البري التجاري بين الهند وخراسان للحد من انتشار التجارة الإنجليزية.
ولقد أدى ظهور شركات الملاحة الأوروبية الغربية في مياه الخليج إلى التقليل من الاحتكار البريطاني للملاحة، فازداد التنافس في مجال أجور النقل مما ترتب عليه انخفاضها نظراً لدخول شركات البواخر الأجنبية في مياه الخليج، فتأثرت بريطانيا.
وبناء عليه عدت روسيا الخليج العربي خليجاً مفتوحاً لجميع السفن، وليس حكراً على بريطانيا، مما جعل التنافس الاستعماري في فارس ودول المنطقة جعلها تقف بعيدة عن الأطماع الأجنبية ومنحها نوعاً من الاستقرار.
ومن ثم كان ترحيب شيوخ الخليج بالروس في محاولة منهم لتخفيف ضغط الإنجليز الواقع على المنطقة، ولاسيما أن دخول الروس إلى مشيخات الخليج كان تجارياً وثقافياً في بداية الأمر، وكان مقدمة للتدخل السياسي في المنطقة للسيطرة عليها.
ويعد التحالف الروسي الفرنسي عام 1311هـ/ 1893م خطوة عكسية خطتها روسيا للوصول إلى الخليج، نظراً للصلات الطيبة التي تربط فرنسا ببعض مناطق الخليج كمسقط، ونتيجة لذلك استخدمت روسيا السفن التجارية للوصول إلى الخليج لتصبح مراكز تجسس واستطلاع وجمع معلومات للبحرية الروسية، مما جعل بريطانيا تتصدى لهذه السفن، وتعاملها على أنها أساطيل بحرية روسية، بل إن بريطانيا سعت إلى عقد الاتفاقيات بينها وبين شيوخ الخليج، وأوجبت على الشيوخ عدم الدخول في مفاوضات، أو عقد اتفاقيات مع أي دولة دون موافقة الحكومة البريطانية، وبذلك أصبحت بريطانيا تسيطر على مسقط مفتاح الخليج العربي، وعلى البحرين في وسط الخليج.
في حين استخدمت روسيا بالمقابل سياسة الترغيب عن طريق بذل المال ومنح الأوسمة والأنواط والنياشين وغيرها، وسائل للتقرب من شيوخ المنطقة، وذلك للحصول على محطات وموانئ مهمة لتزويد السفن الروسية بالفحم الضروري لإتمام العمليات الحربية البحرية، إلى جانب اهتمام روسيا بتحقيق مشروع (فلاديمير كابنيست Valadimir Kapnist) لمد خط حديدي يربط شرق البحر الأبيض المتوسط بالخليج العربي من طرابلس إلى الكويت وروسيا عن طريق الأراضي العثمانية، غير أن هذه المشروعات باءت بالفشل لعقد معاهدة الحماية بين بريطانيا والكويت عام 1316هـ/ 1899م.