إن النكبة الجديدة التي يتعرض لها الفلسطينيون في العراق ليس على يد اليهود الغاصبين إنما على أيدي أناس يدعون الإسلام, ويتقربون إلى الله بسفك دم الفلسطينيين, وبطرق وحشية, وبربرية, وهمجية لم يشهد لها التاريخ مثيل، فبعد أحداث سامراء وما تبعها من ردود أفعال وعنف طائفي مقيت, مرة على الفلسطينيين أوقات ولحظات من المحن والضائقة التي لا يعلمها إلا الله, وما زالت مستمرة وبتزايد وتصعيد كبير، فنحن نمر هذه الأيام بفترات عصيبة جدا فاقت سجون التفتيش, وأفاعيل هولاكو, والحقبة النازية، فبحدود 200 فلسطيني بينهم أطفال ونساء غادروا منازلهم بتاريخ 18/ 3/2006 بفعل تصاعد وتيرة العنف الطائفي, والاستهداف على الهوية, متجهين نحو الحدود الأردنية, ومنعوا من الالتحاق بالعوائل المتبقية ضمن مخيم الرويشد المقام منذ عام 2003 وأعيدوا بالقوة إلى داخل الحدود العراقية, حيث أقيم لهم مخيم طريبيل ومكثوا فيه لغاية 9/ 5/2006 مع التحاق آخرين بهم حتى نقل 304 فلسطيني بعد السماح لهم إلى مخيم الهول في محافظة الحكسة السورية لتبدأ رحلة جديدة من الشتات والتهجير.
واستمرت حالات النزوح المتكررة نحو الحدود السورية على أمل الالتحاق بمخيم الهول مع أنه شبه سجن، إلا أنهم منعوا من ذلك, وتم إنشاء مخيم جديد على الحدود العراقية والسورية قريب من بوابة الحد السوري, سمي بمخيم التنف وفيه 343 فلسطيني بينهم نساء وأطفال وكبار بالسن ومعاقين ومرضى، ولا زال إلى الآن مع ما يعانون من ظروف معاشية وبيئية وجوية قاسية جدا، وقد شهد شهر كانون الأول من عام 2006 نزوح آخر صوب الحدود السورية والعجيب بأنهم منعوا حتى من الالتحاق بمخيم التنف وأقيم لهم مخيم قبل بوابة الحدود العراقية سمي بمخيم الوليد فيه أكثر من 120 فلسطيني بينهم أطفال ونساء وأيضاً مرت عليهم ظروف قاسية جدا جدا، فعمليات النزوح مستمرة بسبب تصاعد عمليات الاستهداف المختلفة، وكأننا ندفع ضريبة فلسطينيتنا بهذه الانتهاكات في زمن الديمقراطية المزعومة, وحقوق الإنسان, والحرية, والشعارات البراقة, وعصر التكنولوجيا, والله المستعان.
هنالك حالات واسعة من عمليات التهجير والنزوح الداخلية من بعض التجمعات الفلسطينية الصغيرة والضعيفة, إلى تجمعات في ظنهم بإنها أقل خطرا وأكثر أمنا؛ لكثرة عددهم النسبي كمجمع البلديات الذي لم يعد آمنا, وتم التركيز عليه في الآونة الأخيرة بقصفه, وتضييق الخناق على ساكنيه, حتى أدى ذلك لمغادرة وخروج أعداد كبيرة منه إما إلى الصحراء, أو إلى المجهول، كل ذلك بسبب تزايد أعمال العنف والاستهداف بحقهم, أو تهديدهم واستفزازهم من قبل الميليشيات الطائفية, التي أصبحت تصول وتجول في معظم مناطق بغداد.
ومن أشكال الهجرة والشتات الغريبة لفلسطينيي العراق بسبب الضائقة والمحنة العظيمة وصول أكثر من 100 فلسطيني خلال عام 2006 إلى الهند بدفعات مختلفة للحصول على شيء من الأمان المفقود ولو في شبه القارة الهندية الفقيرة المعدمة، طالبين اللجوء من الأمم المتحدة لأن وجودهم وحياتهم في العراق أصبحت مستحيلة.
ومن مظاهر الشتات والتشرذم سفر العشرات إلى دول أوروبا بطرق ملتوية وصعوبات مضنية, فرارا من القتل الذي يلاحقهم وطلبا للجوء الإنساني، الذي لم يجدوه عند معظم الدول العربية للأسف الشديد, وكأن الأمر لا يعنيهم، كما وقد غادر المئات من الفلسطينيين متوجهين إلى بعض الدول العربية القليلة جدا, بعد الصعوبات والتعقيدات في الحصول على موافقات فردية وخاصة للسماح لهم بالدخول، والعجيب أن معظم الدول العربية تغلق أبوابها في وجه الفلسطينيين المتواجدين في العراق وتمنعهم, من الدخول أو الفرار أو العمل والاستثمار مخالفين كل الشعارات والدعاوى التي يطلقونها هنا وهناك بوقوفهم وتضامنهم مع القضية الفلسطينية والفلسطينيين؟!!!