البحر الأحمر والجزيرة العربية في الصراع العثماني البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى

¤عبداللطيف محمد الحميد£بدون¥مكتبة العبيكان - الرياض¨الأولى¢1415هـ€سياسة عالمية¶البحر الأحمر

الخاتمة

لعل أربع سنواتٍ من الحرب والدمار الشامل الذي عم مساحاتٍ كبيرةٍ من العالم وأفنى جماعاتٍ كثيرةٍ من البشر يعتبر مأساةً عالمية حضارية، ولكن آثار هذه الحرب كانت أدهى وأمر على دولة الخلافة العثمانية، نظراً لقدرة الدول الأوروبية وخاصةً الحليفة منها على استعادة قوتها بعد أن كان النصر حليفها في نهاية الحرب ولقوتها الذاتية في عصر نموها الاستعماري.

وقد تحقق ما كانت تصبو إليه الدول الأوروبية في حل المسألة الشرقية ليس على مائدة المفاوضات التي فشلت محاولاتها السابقة، وإنما بطريقة تقسيم الغنيمة بعد اقتناصها بالسلاح الأوربي المشترك، ذلك السلاح الذي تعددت وسائله السياسية والعسكرية أثناء الحرب العالمية الأولى، سواءً في قدرة السياسة البريطانية لإقناع الشريف حسن بالثورة وإشعال فتيل القومية لخدمة أهدافه الذاتية وأهداف من تبعه، أو باستعمال القوة في ميادين القتال الذي بلغ مداه بانتزاع القدس الشريف من عالم التوحيد الإسلامي إلى عالم التثليث الصليبي.

ولم تكن نوايا العالم النصراني الأوربي لتقسيم الدولة العثمانية حقداً منها على العناصر التي تضم هذه الدولة فحسب وإنما كانت رغبةً لتحطيم الوحدةِ الإسلاميةِ المتمثلةِ في هذه العناصر ... ذلك العداء الذي ورثته هذه الدول منذ عصر الفتوحات العثمانية الذي كان الجهاد الإسلامي عماده الأول.

وكانت خبرة الدول الأوربية قد بلغت مداها في صراعها الطويل مع المسلمين إذ أن سلاح المواجهة ضد الوحدة الإسلامية لم يؤتِ ثماره، وعرفت أن النجاح يكمن في إيجاد عناصر مناوئةٍ داخل الدولة العثمانية ... فكان اختيار العنصر العربي الذي يمثل مادة الإسلام الأولى دلالة كبيرةً على عمق المخططات الاستعمارية ضد الوحدة الإسلامية أثناء الحرب العالمية الأولى، ذلك بعد أن فرغت من إحداث مقدمات النزاع داخل الصف الإسلام بتبنيها تشجيع الحركة الطورانية من قبل داخل العنصر التركي في الدولة العثمانية.

كانت الدولة العثمانية تعيش في هذه الفترة عهد الشيخوخة، وهي صفة حرص الاستعمار على إلصاقها بتلك الدولة، ووصفها بالرجل المريض لزيادة الوهن في أوصالها، أباحت فترة الحرب العالمية الأولى لبعض العناصر العربية كي تقاوم الدولة العثمانية بتشجيعٍ مسمومٍ من بريطانيا، وكان الأجدر بهذه العناصر أن تعمل على الحفاظ على بيضة الإسلام والوحدة الإسلامية، وعلى الرغم من الأحداث التي نجمت عن ثورة الاتحاد والترقي على السلطان عبدالحميد من اضطرابٍ في السياسة العثمانية، إلا أن هذا لن يكون مبرراً يسوغ وقوف بعض العناصر الإسلامية في صف الحلفاء لخدمة أهدافهم، وحتى أولئك القادة العثمانيين الذين جرّوا الدولة إلى الدخول في الحرب قد نالوا من سوء النهاية بما يوحي أنه عقاب من الله فقد قتل بعد الحرب أنور باشا وجمال باشا وطلعت باشا وسعيد حليم باشا، واضمحلت بعد ذلك مملكة الشريف حسين، وانتهت إمارة الإدريسي.

وإن الأحداث التي تجري في المنطقة بعد حوالي السبعين سنة من نهاية تلك الحرب، تَدُلُّك على أن هذه السنوات كانت حُبلى بالتمزق والوهن في صفوف المسلمين والقوة والسيطرة في صفوف أعدائها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015