وعملت عناصر أهل الكتاب على تكوين بؤرة مقاومة ضد المد الإسلامي على حدود موطن قوته في بلاد الشام على حدود الروم في جبال اللكام فضموا إليهم كل خارجٍ عن قانون الدولة الإسلامية وكونوا من هؤلاء الخارجين شوكةً في حلق الدولةِ الإسلامية –تعاونوا مع الروم البيزنطيين الذين أمدُّوهم بجيش قويٍ من الروم والمرديين- فاختلطت العناصر النصرانية المختلفة في تلك الجبال وسموا الجراجمة أو المردة جمعهم الحقد على الإسلام والكره لدولته – وقد ورثت الطائفة المارونية تعصب أولئك ضد الإسلام وحقدهم عليه فاعتزت وافتخرت بمساعدتها لأعداء الإسلام على مختلف أدوار عصور التاريخ الإسلامي إلى اليوم.
واستطاعوا إشعال نار العصبية مرَّةً أخرى وبشكلٍ أعنف في أرجاء الدولة الإسلامية الواسعة وخاصةً في خراسان والأندلس كما قاموا بتحريك الروح الشعوبية لدى الفرس والبربر مستغلين التراث الفكري القديم للفرس وحضارتهم فكانت إرهاصات الشعوبية في هذا العهد.
كما استطاعوا استغلال حب المسلمين لآل البيت فتمكنوا من التسلل والنفوذ إلى داخل المجتمع المسلم وسللوا أفكارهم بذكاء وحجةٍ ومنطق وادّعاء علم وتمكنوا أخيراً من تسلم القيادة الفكرية التامة لفرق الشيعة المختلفة وبثوا فيها ما شاءوا من أوهام لتقويض الإسلام ودولتهم من الداخل وتمكنوا من الإفساد بين البيت الأموي بعد هشام بن عبدالملك ذلك البيت الذي وقف في وجه مؤامراتهم فعصفت به الفتنة التي أسفرت عن وثوب مروان الثاني للخلافة فوهنت سيوف أمية وتحركت القوى المضادة السريّة التي كونتها العناصر الفكرية المختلفة لأهل الكتاب أو أسهموا في تكوينها لتطيح بالإسلام ودولته فبرز البيت العباس يقود حركةً عباسيةً أصيلة مضادة ليحافظ على الإسلام وليستعيد هيبته وليعيده إلى مساره السليم، ففوت هذا البيت الفرصةَ على دعاة الهدم والتخريب وتحوَّل الصراع بين المسلمين إلى صراعٍ بين بيتين على الخلافة، فوجدت العناصر الحاقدة نفسها مرَّةً أخرى تدور في فراغٍ كان يمزقهم ويعصف بهم.
واستمرت قواهم الفكرية في السير والتسلل ليبرز أثرهم واضحاً بعد العهد العباسي الأول عندما أخذ الوهن يدب في ذلك البيت وعزل الخلفاء عن مناصبهم القيادية وأصبحوا ألعوبة بأيدي القادة والزعماء من الأتراك حتى قيل في أحدهم:
خليفة في قفصٍ بين وصيفٍ وبغا
يقول ما قالا له كما تقول الببغا
وعسى الله أن يمكنني في المستقبل من تتبّع أثر أهل الكتاب في العصور الإسلامية المختلفة والذي برز بشكلٍ واضحٍ بعد العصر العباسي الأول إلى اليوم.
وعلى أن يتمكن الباحثون من إماطة اللثام عن حقائق جديدة تكشف أثرهم وتوضيحه في بعض المواقف التي لا تزال غامضة أو مشكوكٌ فيها لدى الباحثين والدارسين، وعسى أن يدرك المسلمون أثر القوى المضادة الحاقدة وما أدخلته وسلّلته إلى الفكر الإسلامي من أوهام وترَّهات فينزعونه من أنفسهم ومن مبادئ دينهم لأنه دخيل مصطنعٌ لا يعتبر من الإسلام؛ لأن كمال الإسلام اتضح في عصر محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:
? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ? [المائدة:3].
فيتجهون إلى الإسلام ببساطته وبمبادئه السمحة فيعودون خير أمةٍ أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، ويطبقون مبادئه السمحة ونظامه الرائع لتجف الأرض من الدموع والحزن وتهدأ آثار البغضاء والشحناء فتنتشر السعادة في أفق الدنيا ويعيش الناس على مختلف أجناسهم وأديانهم في جو مزدهرٍ بالأمن والسلام ويغلق الباب على المنظمات السرية والإرهابية التي تسيرها الصهيونية العالمية والشبكات الجاسوسية التي تحكم العالم وتسيطر على مقدراته من وراء ستار.
والله أسأل أن يكون هذا العمل والأعمال القادمة إن شاء الله خالصاً لوجهه الكريم.
والله من وراء القصد فهو نعم المولى ونعم النصير.