1 - يقرر الباحث كما قال الفقهاء وكما أثبتت دراسات سابقة في هذا المجال، أن التغيرات في قيمة النقود الذهبية والفضية لا يجب فيها إلا المثل وذلك لتمتع هذه النقود بقيمة ذاتية تجعلها لا تفقد من جراء التغيرات الحادثة في قيمتها شيئاً يذكر.
وهذا الحكم ينطبق على الظواهر النقدية التي تعتريها كالكساد والانقطاع والإبطال، فحيث وجدت فإنه لا يلزم المدين إلا مثلها، فإن لم توجد تجب قيمتها.
2 - يثبت الباحث أن الظواهر النقدية، كالكساد والانقطاع، التي كانت تعتري النقود الاصطلاحية في العصور الماضية تفقد أهميتها النسبية في العصر الحاضر، وذلك لأن تلك الظواهر ترتبط بقاعدة النقود المعدنية والتي خرج عنها العالم بتطبيقه لقاعدة النقود الائتمانية. وحتى بفرض حدوث بعضها، فإن العرف السائد يجعل أمر معالجتها ميسوراً.
ثامناً:
تناولنا في المبحث الأخير من هذه الدراسة الرأي الفقهي في معالجة آثار التغيرات في قيمة النقود بالنسبة لأصحاب الالتزامات المالية المؤجلة، توصلنا إلى أن للفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: على المدين الوفاء بمثل النقود التي ترتبت في ذمته بغض النظر عن تغيرها.
القول الثاني: أن على المدين الالتزام بدفع قيمة النقود التي تغيرت يوم ثبوتها في ذمته.
القول الثالث: يلتزم المدين بدفع المثل إذا كانت التغيرات في النقود يسيرة، بينما عليه الالتزام بالقيمة إذا كانت التغيرات فاحشة.
وبعد أن استنبطنا – وبحمد الله – أدلة كل قول من هذه الأقوال ومناقشتها مناقشة وافية، نثبت ما يلي:
1 - أن أساس الاختلاف بين الفقهاء في هذه المسألة يعود إلى ضمان المدين لما أخذ. فأصحاب القول الأول يرون أن التغيرات في قيمة النقود لا تعتبر عيباً من العيوب الموجبة للضمان، وذلك لأن تغيرات قيمة النقود تقاس عندهم بتغيرات أسعار السلع المثلية.
أما أصحاب القول الثاني فهم يرون أن تغيرات قيمة النقود تعتبر أحد العيوب الموجبة للضمان، ذلك لأن الأعيان لا يتصور عيبها إلا بنقصان قيمتها، وحيث إن يد المدين يد ضمان، فعليه يقع ضمان الصورة والمعنى.
2 - يرجع الباحث القول الثاني الذي يرى جواز تعويض المدينين أو الدائنين عن تغيرات قيمة النقود، وذلك تحقيقاً للعدالة بين الأموال المترتبة في الذمة والأعواض البديلة عنها. غير أنه يقرر أن ترجيح هذا القول في العصر الحاضر، لا يعني إطلاقاً جواز فرض أسعار فائدة تحدد مسبقاً نظير الانخفاض المتوقع في قيمة النقود، وذلك لأن التحديد المسبق لأسعار الفائدة حتى بفرض تساويها مع نسبة التغير، فإنه يفضي إلى الجهل بالتماثل. وهو يؤدي إلى الربا اتفاقاً. كما أن التحديد المسبق لأسعار الفائدة يفترض أن التعويض يجب في حالة الانخفاض فحسب، وهذا خطأ، إذ إن القواعد الإسلامية ثابتة تهدف إلى تحقيق العدالة في كل الأحوال.
3 - اقتراح الباحث منهجاً لتطبيق مبدأ التعويض، يقوم على ترجيح ما قال به شيخ الإسلام ابن تيمية والقاضي أبو يوسف، وعلى أن التعويض جزء من ضمان المدين لما أخذ.
وفي المنهج المقترح يتم التعويض عن طريق اختيار وحدة للتحاسب الآجل أطلقنا عليها "الدينار الإسلامي"، ولا يشترط لهذه الوحدة وجود مادي، ولكن يتم التحاسب على أساس النسبة الموجودة بين سعر الذهب وسعر العملة الورقية وقت الوفاء بالدين.
وبعد:
فإن هذا البحث لا يزيد عن كونه قطرة في خضم هذا الموضوع، بذلنا فيه أقصى ما نملكه من جهد. فإن وفقنا فالحمد لله، وإن كانت الأخرى فنسأل الله أن يعطينا أجر إثارته، فالإثارة تعني المناقشة التي تستدعي التفكير، والتفكير بداية للبحث عن الحق.
{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.
والحمد لله في البدء والانتهاء وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. (تم بحمد الله)