واستنتجنا من هذه النقاط الخمس أنه لا يجوز لولي الأمر اللجوء إلى أي سياسة من شأنها أن تؤدي إلى التغيرات في قيمة النقود، كما يجب عليه الحيلولة دون كل الأسباب المفضية إليها، حفاظاً على مصلحة المجتمع في الحياة الدنيا والآخرة.

خامساً:

ناقشنا في الفصل الأول من الباب الثالث كيف يمكن للدولة الإسلامية أن تحول دون حدوث تقلبات في مستوى الأسعار تؤدي إلى تغيرات في قيمة النقود، وكيف يمكن أن تسيطر عليها بفرض حدوثها، وأثبتنا في هذا الصدد ما يلي:

1 - تعتبر سياسة تثبيت قيمة النقود أفضل سياسة تفي بالمقاصد الشرعية التي يجب توفرها في التعامل النقدي، غير أن صعوبة تطبيق هذه السياسة من الناحية العملية، دفع بنا إلى اقتراح تطبيق سياسة استقرار قيمة النقود، والتي في ظلها تسعى الدولة بكل وسائلها منع ظهور اتجاه واضح لارتفاع الأسعار في الأجل الطويل أو تقلبات حادة في الأجل القصير.

وقد اقترحنا منهجاً لتحقيق استقرار قيمة النقود – على النحو المتقدم – يستند على ما يلي:

أ- السياسة النقدية: ترتكز السياسة النقدية على مبدأ أساسي وهو أن تكون نسبة الزيادة في كمية النقود مرتبطة بنسبة الزيادة في حجم الناتج القومي الصافي.

ب- السياسة المالية: تقوم السياسة المالية على الإنفاق العام كمحور ارتكازي، وللدولة أن تلجأ إلى الضرائب والدين العام كأدوات مساعدة، كما لها أن تلجأ إلى تأخير وتقديم الزكاة بهدف تحقيق الاستقرار في قيمة النقود، غير أننا اشترطنا إلا تلجأ الدولة إلى تعجيل وتأجير الزكاة إلا عند الضرورة، إذ أن للزكاة أهدافاً اجتماعية شرعت من أجلها، فيجب ألا تنصرف عنها إلا لضرورة شرعية أو حاجة مقتضية.

جـ- سياسة الأجور: أثبت الباحث أن أفضل سياسة للأجور تتلاءم مع قواعد الشريعة الإسلامية هي ربط الأجور بالإنتاجية، وأوضحنا أن ربط الأجور بالإنتاجية بالإضافة إلى أنه يحقق العدالة لجميع الأطراف، فإنه يساهم في استقرار الأسعار ومن ثم استقرار قيمة النقود، كما أثبتنا أن ربط الأجور بالإنتاجية هو مبدأ إسلامي أصيل تشير إليه قواعد الإجارة التي فصلها الفقهاء.

واقترحنا لتطبيق هذه السياسة لجنة أطلقنا عليها لجنة "الأجور العادلة" على غرار لجنة الأسعار التي قال بها الفقيه المسلم ابن حبيب المالكي. وتتكون اللجنة من ولي الأمر أو من ينيبه، وممثلين لأرباب الأعمال وممثلين للعمال لتحديد نسبة الزيادة في الإنتاجية التي تستحق زيادة في الأجر، بتحكيم ولي الأمر ولجانه المختصة وتحكيم الأخلاق الإسلامية، مع مراعاة تقديم مصلحة المجتمع الكلية على المصالح الجزئية عند التعارض. وتكون هذه اللجان بديلاً عن النقابات غير الملتزمة بمنهج معين، والتي بسبب تعنتها وتحكم أرباب الأعمال، ضاعت مصالح المجتمعات.

سادساً:

أثبت الباحث أن الاستقرار في قيمة النقود الذي اقترحناه يحقق أهدافاً اقتصادية واجتماعية واسعة، بالإضافة إلى أنه يعتبر شرطاً ضرورياً لصحة عقد المضاربة التي تستند عليه معظم المعاملات الشرعية في هذا العصر، كما أنه شرط لصحة عقد الإجارة إذ تتوقف صحة الإجارة على العلم بالأجرة، وذلك يكون بقدرها وجنسها وصفتها، ولا يتحقق ذلك إلا حينما تكون قيمة وحدة النقد ثابتة أو مستقرة خلال الزمن.

سابعاً:

ناقشنا في الفصل الأخير من هذه الدراسة الآراء الفقهية في كيفية معالجة آثار التغيرات في قيمة النقود بفرض حدوثها في المجتمع الإسلامي، وتوصلنا إلى النتائج التالية:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015