¤محمد بن محمد أبو شهبة£بدون¥الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية¨بدون¢1394هـ€فقه¶حدود وعقوبات
خلاصة البحث: وبعد هذا المطاف الطويل نستخلص هذه الحقائق الآتية:
1 - قد ظهر أن تشريعات الله تبارك وتعالى هي أعدل التشريعات، وأوفاها بحاجات الناس وتوفير السعادتين: الدنيوية والأخروية، وأنه لا يصلح البشرية إلا تطبيقها تطبيقا كليا، والعمل بها. وها هي ذي القوانين الوضعية قد ظهر فشلها في إصلاح أحوال المجتمعات ولاسيما الإسلامية منها، فلنجرب العمل بالشريعة الإسلامية الغراء، وسنرى إن شاء الله تعالى أنها ستؤمن الناس على دمائهم، وأعراضهم، وأموالهم، ولاسيما أنها قد أظهرت صلاحيتها وإصلاحها مدة ثلاثة عشر قرنا، قبل أن يدخل على المسلمين هذا البلاء، والشر المستطير.
2 - قد تبين لنا أن التشريعات الإسلامية في باب الحدود ليست قاسية، ولا عارية من الرحمة كما زعم الزاعمون، وتدعو بتساهلها إلى الفسق والفجور كما قال ذلك الكثيرون من رجال القضاة، وأن التشريعات الإسلامية مبنية على أساس قويم من العلم والخبرة بالنفوس، ولا كذلك القوانين الوضعية على نحو ما فصلنا سابقا.
3 - أن هذه الشريعة هي التي كونت خير أمة أخرجت للناس، في عقيدتها، وفي عباداتها، ومعاملاتها، وأخلاقها، وكونت أفضل مجتمع عرفته البشرية في تاريخها الطويل: مجتمع قائم على العدل، والرحمة، والإخاء، والمحبة والتكافل الاجتماعي، والتعاون على البر والخير.
ولن تصلح هذه الأمة اليوم إلا بما صلح به أولها. فإذا أراد المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها أن يعود لهم مجدهم، وترجع لهم عزتهم، ويعود لهم مجتمعهم كما كان نقيا من الشوائب، حافلا بكل أنواع الفضائل فليعضوا على شريعتهم بالنواجذ، ويأخذوا بها في كل شئون حياتهم الدينية، والسياسية والأخلاقية، والاقتصادية. أما أن يأخذوا منها ببعضها، ويدعوا الجانب المهم منها، فذلك أمر يأباه التدين الصحيح، وتأباه العقول الصحيحة، والفطر السليمة، والمنطق القويم.
4 - أن هذه الشريعة هي التي تمخض عنها أعظم الحضارات الإنسانية، وهي حضارة الإسلام القائمة على الإيمان، والعلم، والتي جاءت كافية لمطالب الروح ومطالب الجسد، فلا هي روحانية صرفة معزولة عن الحياة، ومتطلباتها، لا يهمها إلا تعذيب الجسد، وإغفال مطالبه كبعض الملل والنحل؛ ولا هي مادية بحتة تغفل مطالب الروح، وتجعل من الإنسان مخلوقا حيوانيا، وآله صماء لا روح فيها، وبذلك كانت حضارة وسطا، وخير الأمور أوساطها، والفضيلة وسط بين رذيلتين كما قال الحكماء.
5 - قد يتعلل بعض المعوقين عن العمل بالشريعة الإسلام بأن في معظم الدول الإسلامية والعربية جماعات أخرى غير مسلمة. وهذا عذر غير مقبول فقد أصبحت الدول الإسلامية والعربية أمرها بيدها، وانقضى عهد الامتيازات، وعهد التسلط والاستعمار وأصبحت القوانين تسري على الجميع لا فرق بين مسلم، ومسيحي، ويهودي في شئون المعاملات والجنايات وغيرها، فلماذا لا تطبق الشريعة الإسلامية في مسائل الحدود على الجميع؟! ولاسيما أنها يقصد بها إصلاح المجتمعات، والقضاء على عوامل الإفساد بالتعدي على الدماء، والأعراض والأموال، والحفاظ على الأنساب، والعقول، والأجسام؟!
هذا إلى أن الكثرة الكاثرة في كل بلد إسلامي، وعربي إنما هي للمسلمين، وغيرهم قليلون بالنسبة إليهم، فليسع غير المسلمين ما يسع المسلمين! على أن في بعض المذاهب الفقهية فيما ذكرنا ما فيه الخروج من بعض العقبات التي قد تصادفنا عند التنفيذ، والتطبيق العملي.
6 - وختاما ما أقول: أما أن نكون، وتكون لنا شخصيتنا الإسلامية المتميزة، ونحكم بشرع ربنا، أو لا نكون، ولا تكون لنا شخصية إسلامية مستقلة، ونعيش عالة على قوانين غيرنا المهلهلة المرقعة. فإذا كانت الأولى فقد أرضينا ربنا، واعتززنا بشريعتنا، وكان من وراء ذلك الخير كل الخير، والإصلاح كل الإصلاح لمجتمعاتنا، وكان الله معنا، وضمنا نصره "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز". وإن كانت الأخرى فقد أغضبنا ربنا، وضاعت شخصيتنا، واستمرت مجتمعاتنا في فسادها وتحللها، وكنا غير جديرين بنصر ربنا.
فلتختاروا أيها المسلمون والعرب ما يحلوا لكم! اللهم إني قد بلغت "اللهم فاشهد"! والخير أردت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
والحمد لله في النهاية كما حمدنا في البداية، وصلى الله تبارك وتعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، ومن تبعهم، واهتدى بهديهم إلى يوم يقوم الناس جميعا لرب العالمين، كتبه الراجي عفو ربه، وغفران ذنوبه د. محمد بن محمد أبو شهبه