ليت أصحابنا ردوا على الشيعة هؤلاء أو ردوا على الأباضية وبينوا لهم الحق ... أو ردوا على الصوفية التي عششت على أنحاء كثيرة في العالم الإسلامي وقاد العوام فيها والجهال بعض العلماء كما تقاد الشياة ... يذودون عن أفكارهم ويدافعون عن أفعالهم ويبررون منكراتهم وهم يعلمون أنهم يقولون غير الحق ... ؟.
ليت أصحابنا ردوا على النصرانية وما تقوم به من نشاط كبير لتنصير المسلمين في أرجاء العالم مستغلة أوضاع العالم الإسلامي الاقتصادية والسياسية ...
ليتهم ردوا على اليهودية ومنظماتها ... الصهيونية والماسونية وأندية الروتاري وغيرها من وسائلهم الماكرة للاستيلاء على قيادة العالم كله وتوجيهه أو جعله تحت سيطرتهم إن استطاعوا ولن يستطيعوا بإذن الله.
بحثت عن هذا كله أو عن بعضه في تفاسير أهل السنّة والجماعة في العصر الحديث فلم أجد فيها بغيتي ولا بعضها.
وكل ما وجدته نصوصاً من هنا أو هناك الصريح الواضح منها قليل وما سواه التمس منه ما أردت التماساً.
يمرون غفر الله لهم ولمن سبقنا بالإيمان ـ على الآية وقد زعمتها ـ طائفة قديمة أو حديثة دليلاً على مذهب ضال أو فكرة خبيثة فلا يعرض أولئك للرد عليها.
يمرون غفر الله لهم على الآية تستدل بها فرقة على ما يزعمونه حكماً شرعياً خالفوا فيه الفهم الصحيح للنص وما يؤيده من السنّة والإجماع فلا يكلف أحدهم نفسه بيان ذلك ... وكأنه يكتب لا يخفى عليه الحق في ذلك.
ولعلي ألتمس لهم عذراً أنهم يقررون التفسير الحق ويقدمونه ميزاناً أصيلاً يوزن به كل قول سواه وكل شبهة وكل بدعة.
لكني مع هذا لا أرى الحق ـ في هذا فالقضية أكبر من أن نجمل الحديث عنها أو نوجزه والقضية أكبر من أن نجعل الحق في أيدي الناس وَيَزِنُون به ... فما زال في الناس كثير من لا يحسن استعمال الميزان وما زال في الناس من يعجز عن استعماله وما زال في الناس من يطلب الطعام وأن يوضع له على المائدة وإن لم نفعل نحن ـ أهل السنّة والجماعة ـ فسيجد من يقدم له هذا الطعام بكل سرور ... ولعلي قد بلغت.
ثانياً: وحين اتسعت العلوم الإسلامية عامة، واتسعت العلوم القرآنية خاصة وأفرد من العلماء السابقين آيات الأحكام بتفاسير مستقلة لم يكن أحدهم يكتب التفسير لهذه الآيات بمعزل عن مجتمعه وقضاياه، بل كان يعطي صورة كادت أن تكون كاملة عن بيئته ... حتى المذهب الفقهي الذي ينتحله كان له أثره في تفسيره.
ففسر كثير منهم آيات القرآن حسب مذاهبهم الفقهية فكان تفسير للمذهب الحنفي وتفسير للمذهب المالكي ... وهكذا.
وإذا عطفنا النظر إلى القرن الرابع عشر الهجري وجدنا الأمر جد مختلف فقد تخلى عن كثير من صفات التفاسير القديمة بحسناتها وعيوبها.
كان على من أراد أن ينهج منهج تفسير آيات الأحكام أن ينظر إلى ناحيتين .. ناحية عطاء النص ... وناحية حاجة المجتمع ... وواقعه ويوازن بينهما ...
لا ... لست أريد أن يهمل نصاً لأنه غير واقع في المجتمع ولا أريد أن يؤجل البحث فيه إلى أن يقع ... لا أريده أن يفعل ذلك ما دام النص القرآني عليه صريح ... لكني أيضاً لا أريد منه أن يسترسل في بحث قد أشبعه العلماء من قبله ... ولم يتركوا له فيه من عراش أريد منه أن يترك لهذا مباحث جدت من بعد في عصرنا هذا من غير أن يعطيها حقها من البحث.
يخطئ أولئك الذين ينظرون إلى آيات في القرآن الكريم وهم يحسبون أن الفقه ليس إلا معرفة أحكام الطهارة والإرث والوقف والهبة وينسون أنه هو نتاج دين شامل كامل أيضاً.
إن الفقه يشمل ما أسلفت ويشمل غيرها ويشمل أيضاً كل المناهج والأنظمة في كل مجالات الحياة ما يجد فيها.