يقول سيد قطب – رحمه الله تعالى – عند هذه الآية: (ما صلة الفقه بالغلب في ظاهر الأمر؟ إنها صلة حقيقية، وصلة قوية .. إن الفئة المؤمنة إن تمتاز بأنها تعرف طريقها، وتفقه منهجها، وتدرك حقيقة وجودها وحقيقة غايتها .. إنها تفقه حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية؛ فتفقه أن الألوهية لابد أن تنفرد وتستعلي، وأن العبودية يجب أن تكون لله وحده بلا شريك، وتفقه أنها هي – الأمة المسلمة – المهتدية بهدى الله، المنطلقة في الأرض – بإذن الله – لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده؛ وأنها هي المستخلفة في الأرض؛ الممكنة فيها لا لتستعلي هي وتستمتع ولكن لتعلي كلمة الله، وتجاهد في سبيل الله؛ ولتعمر الأرض بالحق؛ وتحكم بين الناس بالقسط؛ وتقيم في الأرض مملكة الله التي تقوم على العدل بين الناس .. وكل ذلك فقه يكسب في قلوب العصبة المسلمة النور والثقة والقوة واليقين؛ ويدفع بها إلى الجهاد في سبيل الله في قوة وفي طمأنينة للعاقبة تضاعف القوة. بينما أعداؤها (قوم لا يفقهون) قلوبهم مغلقة، وبصائرهم مطموسة؛ وقوتهم كليلة عاجزة مهما تكن متفوقة ظاهرة، إنها قوة منقطعة معزولة عن الأصل الكبير!).
ويقول الشيخ الأمين الشنقيطي – رحمه الله تعالى – في تفسيره لهذه الآية في (شريط مسجل): (وهذا سر لطيف وتعليم سماوي هائل يفهم منه المسلمون أن أول شيء من الأساسيات للاستعداد للميدان هو الفقه والفهم عن الله تعالى، فيجب كل الوجوب أن يعلم العسكريون عن الله حتى يفقهوا لأنهم إذا كانوا فاهمين عن الله عارفين للمبدأ الذي يقاتلون عليه كانوا شجعانا صابرين لا يفرون من القتل ولا يهزمون كما سجله التاريخ لأوائل هذه الأمة، وإن كانوا لا يفقهون عن الله شيئا، وكانوا جهالاً كالأنعام لا مبدأ لهم يقاتلون عليه فهم ليسوا بأساس ولا معول عليهم يهزمون مع أول ناعق) اهـ.
النتيجة السادسة: كما ظهر من خلال هذه الدراسة أهمية العلم بأسماء الله – عز وجل – في معرفة السنن الإلهية وأثرها فيما يجري في هذا الكون من حوادث ونوازل ومتغيرات، وهذا يؤثر في تفسير الأحداث والموقف الصحيح منها والمنهج الحق في تناولها واستثمارها وتعليلها. فعلى سبيل المثال عندما يتعبد العبد لربه سبحانه باسمه (العليم، الحكيم) فإن هذا يثمر الطمأنينة في القلب وحسن الظن بالله – عز وجل – وربط الأحداث بخالقها سبحانه ومحدثها، وأنها لم تحصل إلا بعلمه سبحانه وحكمته وقدرته وعدله، وأنه سبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وعندما يشهد اسمه سبحانه: (الرحيم، اللطيف) فإن هذا يثمر المعرفة بسنة الله – عز وجل – في عباده المؤمنين وأن العاقبة لهم، وأن ما يدبره الله سبحانه لهم متضمن لرحمته سبحانه ولطفه وبره بهم.
وهكذا في بقية أسماء الله الحسنى وما تقتضيه من السنن الإلهية في خلقه سبحانه وأمره.