كما أوصي في هذه الجزئية بأمر مهم وهو عدم الاستقلالية عن العلماء مما يؤدي إلى احتقارهم والتعالي عليهم وعدم اتباعهم. وهذه شنشنة شاذة -مع الأسف- بدأنا نرى نماذج منها، بل وصل الأمر ببعضهم أن يقول عن الأئمة العلماء: هم رجال ونحن رجال ... وهذا أمر مقلق جدَّاً، يجب أن نتواصى ونتناصح فيه، وقد تقدم التفصيل في هذه الجزئية مما يغني عن إعادته.

4 - إن الرفق والحلم والتأني وعدم التعجل، وخاصةً عند حدوث الفتن، محمودٌ أيما حمد ومطلوب ومرغب فيه أيما ترغيب؛ لأن ذلك كله يجعل المسلم يبصر حقائق الأمور بحكمةٍ وحنكةٍ. ويقف على خفاياها وأبعادها وعواقبها. فالعجلة وعدم الأناة خِفة وطيش، وحدّة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم والرفق. وتُوجب وضع الشيء في غير محله، كما تجلب الفتن والشرور والنقم، وتمنع السلامة والخيرات والنعم. فالرفق ما كان في شيءٍ إلا زانه، ما نُزِع من شيءٍ إلا شانه. كما أن الحلم والأناة يحبهما الله (?) ولذلك كانت خصلة الحلم هي السبب في بقاء الروم -والنصارى الكفرة- وكونهم أكثر الناس كما وصفهم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (تقوم الساعة والروم أكثر الناس).

وقد علل عمرو بن العاص -رضي الله عنه- بقاء الروم وكثرتهم من بين الناس بقوله: (إن فيهم لخصالاً أربعاً) الأولى: -وهي شاهدنا والتي تهمنا في هذه الجزئية- (إنهم لأحلم الناس عند فتنة)، وهذا ليس ثناء من عمرو بن العاص -رضي الله عنه- على الروم والنصارى والكفارة. وإنما هو تعليل منه -رضي الله عنه- ومعناه: أنه إذا اضطربت الأحوال وتغيرت، وبدت الفتن وكشَّرت عن أنيابها، فإن الروم آنذاك هم أحلم الناس في مواجهتها. وأكثرهم أناة وتريثاً وهدوءاً. لعلمهم أن الفتنة إذا بزغت شمسها، فإنها ستقضي عليهم.

إذاً: فالحلم والرفق والأناة من خير ما يوصى به المسلمون إبَّان الفتن.

ومن أهم ما يوصى به في هذه الجزئية: الرفق والحلم والأناة .. مع الأئمة وولاة الأمور، وعدم الخروج عليهم ونزع يدٍ من طاعة ما أقاموا شرع الله. فالرفق والحكمة والحلم معهم ينتج عنه كل خير واستقرار وأمن وأمان، وإلا دخل المسلمون في عالم من الفوضى والمجازر والدماء التي لا نهاية لها. وهذا هو منهج السلف الصالح، وما موقف الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- من الحجاج ببعيد. وهو معروف بظلمه وجبروته، ومع ذلك كله كانوا يوصفون بالحلم والرفق والحكمة معه، فالله الله في الرفق والحلم والحكمة والأناة، وخاصة وقت الفتن.

5 - عدم تطبيق ما ورد في الفتن -من نصوص- على الواقع المعاصر:

تزداد شهوة الكلام عند حلول الفتن، وتظهر جرأة كثير من ضغام الناس وقتها. فيحلو لهم آنذاك، استرجاع أحاديث الفتن وتقليب صفحاتها، ويربو ذلك ويزداد في اجتماعهم في المنتديات والمجالس. فتجدهم يُنَزِّلون تلك الأحاديث على واقعهم الآني، ويلوون أعناقها لتوافق ما يعتريهم ويصيبهم من فتن، فيقولون: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم ... كذا .. هو المراد بهذه الفتنة التي نحن فيها الآن. أو المراد به الفتنة التي حدثت في الوقت الفلاني أو البلد الفلاني .. وهكذا يفسرون ويطلقون المراد من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحاديثه عن الفتن، بتحديد أزمانها وأماكنها وتطبيقها على واقعهم وزمنهم الآني. كل ذلك ليس عندهم فيه من الله برهان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015