لقد سبق أن (انحدر التتار كالسيل الدافق على الدولة الإسلامية وأخذوا يقطعون أشلاءها جزءاً جزءاً حتى وصلوا إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية ووطئوها بنعالهم في شخص الخليفة المستعصم وتبدد بذلك شمل الدولة وانفرط عقد الخلافة لأول مرة.
وتفرقت الأمة إلى دويلات صغيرة، فلكل قبيلة فيها أمير للمؤمنين ومنبر.
وتنبهت المسيحية في أوربا وجمعت جموعها وقذفت الشرق المسلم في آسيا وأفريقيا بكتائبها في تسع حملات صليبية على خير ما فيها من فرسان ملوك وعتاد، وتمكنت هذه القوات الزاحفة من إقامة دولة صليبية في بيت المقدس وتهديد أمم الإسلام في الشرق والغرب ومهاجمة مصر أقوى هذه الدول إذ ذاك.
واستطاعت مصر بإيمانها أن تجمع بعض هذه الدويلات وتقذف بهم في نحر الصليبيين بقيادة صلاح الدين فتستعيد منهم بيت المقدس وتريهم كيف تكون الهزيمة في حطين، ثم تقف في وجه التتار بقيادة الظاهر بيبرس وتردهم على أعقابهم خاسئين في عين جالوت، ثم تعيد رسم الخلافة من جديد، ويريد الله بعد ذلك أن تقوم للإسلام دولة وارفة الظلال قوية البأس شديدة المراس تجمع كلمة أهله وتضم تحت لوائها معظم أممه وشعوبه ويأبى لها علو الهمة إلا أن تغزوا المسيحية في عقر دارها فتفتح القسطنطينية (?) ويمتد سلطانها في قلب أوربا حتى وصل إلى فيينا.
ثم وقع الطائر بعد ارتفاع في الدور الختامي للصراع الذي بدأته دولة البرتغال المسيحية غزوها للبحار الشرقية ومنطقة الخليج العربي تحت ستار الكشوف الجغرافية بقيادة فاسكو دي جاما حيث ألقت سفنه مراسيها في ثغر كاليكوت على الساحل الغربي للهند في اليوم الثامن عشر من مايو سنة 1498 وكان شعار هذا الغزو الطارئ (الصليب أو المدفع) (?).
وكان الدور الختامي في هذا الصراع الحرب العالمية الأولى سنة 14: 1918 الذي انتهى بهزيمة تركيا بذلك سنحت الفرصة كاملة لأقوى شعوب أوربا إنجلترا وفرنسا وإلى جوارهما إيطاليا فوضعت يدها على هذا الميراث الضخم من أمم الإسلام وشعوبه، وبسطت سلطانها عليها في أسماء مختلفة من احتلال واستعمار ووصاية وانتداب، وخلفتها أمريكا وروسيا في صور صدقات ومحالفات.
وإن الإسلام الذي أحيا أممه من قبل فواجهت الصليبية والتتار لقادر أن يفعل فعله اليوم -وهو فاعل- إن شاء الله حتى يبلغ ملك أمة الإسلام ما زوى لمحمد صلى الله عليه وسلم في الأرض.