الثالث: ما رواه البخاري ومسلم - واللفظ
للبخاري - عن علي بن أبي طالب t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة) فقال رجل من القوم: ألا نَتَّكِلُ يا رسول الله؟ قال: (لا، اعملوا فكل مُيَسَّرٌ، ثم قرأ: (فَأمَا مَنْ أَعطَى واتَّقَى)) [سورة الليل: 5] ، وفي لفظ لمسلم: (فكل مُيَسَّرٌ لما خلق له) (?) 0، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعمل، ونهى عن الاتكال على القدر.
الرابع: أن الله تعالى أمر العبد ونهاه، ولم يكلفه إلا ما يستطيع، قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ
مَا اسْتَطَعْتُمْ) [سورة التغابن: 16] وقال: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) [سورة البقرة: 286] ، ولو كان العبد مجبرًا على الفعل؛ لكان مكلَّفًا بما لا يستطيع الخلاص منه، وهذا باطل؛ ولذلك إذا وقعت منه المعصية بجهل، أو نسيان، أو إكراه؛ فلا إثم عليه؛ لأنه معذور.
الخامس: أن قدر الله تعالى سرٌّ مكتومٌ لا يُعْلَمُ به إلا بعد وقوع المقدور، وإرادة العبد لما يفعله سابقة على فعله؛ فتكون إرادته الفعل غير مبنيَّةٍ على علم منه بقدر الله، وحينئذ تنتفي حجته بالقدر؛ إذ لا حجة للمرء فيما لا يعلمه.
السادس: أننا نرى الإنسان يحرص على ما يلائمه من أمور دنياه؛ حتى يدركه، ولا يعدل عنه إلى ما لا يلائمه، ثم يحتجُّ على عدوله بالقدر؛ فلماذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتجُّ بالقدر؟ أفليس شأن الأمرين واحدًا؟!
وإليك مثالاً يوضح ذلك:
لو كان بين يدي الإنسان طريقان: أحدهما: ينتهي به إلى بلد كلها فوضى: قتل، ونهب، وانتهاك للأعراض، وخوف، وجوع.
والثاني: ينتهي به إلى بلد كلها نظام، وأمن مستتب، وعيش رغيد، واحترام للنفوس والأعراض والأموال، فأي الطريقين يسلك؟
إنه سيسلك الطريق الثاني الذي ينتهي به إلى بلد النظام والأمن، ولا يمكن لأي عاقل أبدًا أن يسلك طريقَ بلدِ الفوضى، والخوف، ويحتجُّ بالقدر، فلماذا يسلك في أمر الآخرة طريق النار دون الجنة ويحتجُّ بالقدر؟
ومثالاً آخر: نرى