أول الأمر، حتى توجد في الحيوان الذي هو جنسه، ثم توجد قوة الحمية والغضب بعده. وأما قوة الفكر، فإنها توجد آخراً. والسبب أنه يتأكد الخلق بكثرة العمل بموجبه والطاعة له، وباعتقاد كونه حسناً مرضياً والناس فيه أربع مراتب: الأولى هو الإنسان الغفل، الذي لا يعرف الحق من الباطل، والجميل من القبيح، فيبقى خالياً عن الاعتقاد، وخالياً أيضاً عن تشمير شهواته، باتباع اللذات. فهذا أقبل الأقسام للعلاج، فلا يحتاج إلا إلى تعليم مرشد وإلى باعث في نفسه يحمله على الاتباع، فيحسن خلقه في أقرب وقت. والثانية أن يكون قد عرف قبح القبيح، ولكنه لم يتعوّد العمل الصالح بل زيّن له شر عمله، يتعاطاه انقياداً لشهواته، وإعراضاً عن صواب رأيه، فأمره أصعب من الأول، إذ تضاعفت علته. فعليه وظيفتان: إحداهما قلع ما رسخ فيه من كثرة التعود للفساد، والآخر صرف النفس إلى ضده. وعلى الجملة هو في محل قبول الرياضة، إن انتهض لها عن جدّ كامل