فكل من رغب في السلوك، فقد كبر شأنه، فالأولى به أن يقتنع بطريق الصوفية، وهو المواظبة على العبادة، وقطع العلائق. فإن البحث عن العلوم الكسبية لتحصل ملكة كتابته في النفس شديد، ولا يتيسّر إلا في عنفوان العمر، والتعلم في الصغر كالنقش على الحجر. ومن العناء رياضة الهرم.
وقيل لأحد الأكابر: من أراد أن يتعلم شيخاً، ما يفعل؟ فقال: إغسل مسخاً فعساه يبيض. وقد خرج من هذا أن الأولى بأكثر الخلق الاشتغال بالعمل والاقتصاد من العلم على القدر الذي يعرف به العمل. فإن الأكثر لا ينتبهون لهذا الأمر في عنفوان الشباب، وإن تنبه في عنفوان شبابه، نظر إلى طبعه وذكائه. فإن علم أنه لا يستعدّ لفهم الحقائق العقلية الدقيقة، وجب عليه أن يشتغل بالعمل أيضاً، فلا فائدة في اشتغاله بالعلوم النظرية، وهم الأكثرون من الأقل، الذي تتبعناه. فإن ذكياً قابلاً للعلوم، فإن لم يكن في بلده أو في العصر مستقلّ بالعلوم النظرية، مترق عن رتبة تقليد من سبقه، فالأولى به العمل. فإن هذه لا يمكن تحصيلها إلا بمعلم، فليس في القوة البشرية، في شخص واحد، الوصول إليها إلا قليل بطول الزمن. ولذلك لو لم يكن علم الطب مثلاً صار متقناً بالخواطر المتعاونة، في الأزمنة المتطاولة، لافتقر أذكى الناس إلى عمر طويل، في معرفة علاج علة واحدة، فضلاً عن الجميع. والغالب في البلاد الخلّو عن مثل هذا العالم المستقل.