الباحثين عن الأمور الآلهية، فما لم ينكشف للخلق أكثر مما انكشف. وهذا تباين الفريقين. وقد خطر لي مثال لا يبعد أن يكون منبهاً للافهام الضعيفة، المفتقرة إلى الأمثلة المحسوسة، في درك الحقائق العقلية، ومعرفاً لوجه الفرق بين الفريقين. فقد حكي أن أهل الصين والروم تباهوا بحسن صناعة النقش والتصوير، بين يدي بعض الملوك، فاستقر رأي الملك على أن يسلم إليهم صفة ينقش أهل الصين منها جانباً، وأهل الروم جانباً، ويرخي بينهم حجاب، بحيث لا يطلع كل فريق على صاحبه، فإذا فرغوا رفع الحجاب، ونظر إلى الجانبن، وعرف رجحان من رجح من الفريقين، ففعل ذلك، فجمع أهل الروم من الأصباغ الغريبة ما لا ينحصر، ودخل أهل الصين وراء الحجاب من غير صبغ، وهم يجلون جانبهم ويصقلونه، والناس يتعجبون من توانيهم في طلب الصبغ. فلما فرغ أهل الروم ادعى أهل الصين أننا أيضاً قد فرغنا. فقيل لهم: كيف فرغتم ولم يكن معكم صبغ، ولا اشتغلتم بنقش؟ فقالوا: ما عليكم ارفعوا الحجاب، وعلينا تصحيح دعوانا. فرفعوا الحجاب، وإذا بجانبهم وقد تلألأ فيه جميع الأصباغ الرومية الغريبة، إذ قد صار كالمرآة لكثرة التصفية