أما الظاهرة، فهي الحواس الخمس، ولسنا نخوض في تحقيقها، وإن كان القول في معرفة حقائقها طويلاً جداً، ولكن غرضنا ذكر الجملة. وأما الباطنة فخمسة: الأولى الخيالية، وهي التي تبقى فيها صورة الأشياء المحسوسة بعد غيبتها، فإن صورة المرئي تبقى في الخيال بعد تغميض العين. فتلك القوة التي فيها انطبعت صورة المرئي تسمى خيالاً، وتسمى حسّاً مشتركاً، إذ يبقى فيه أثر مدركات الحواس الخمس كلها. الثانية الحافظة لذلك، فإن ما يمسك الشخص به صورة الشيء غير ما يقبله به، والشمع يمسك النقش بيبوسته، ويقلبه برطوبته والماء يقبله ولا يمسكه. وهذه القوى، أعني القابلة لمدركات الحواس الخمس والحافظة لها في التجويف الأول من مقدم الدماغ، فهو مسكنها، وبحلول آفة فيه تختل هذه القوة، وعرف ذلك بعلم الطلب. الثالثة القوة الوهمية، وهي قوة مترتبة في نهاية التجويف الأوسط من الدماغ، تدرك معاني غير محسوسة من المحسوسات الجزئية، كالقوة الحاكمة في الشاة بأن الذئب مهروب عنه، وأن الولد معطوف عليه. الرابعة الحافظة لهذه المعاني التي ليست محسوسة، كما كانت الثانية حافظة للصور، فهي حافظة للمعاني، وتسمى ذاكرة، ومسكنها التجويف المؤخر من الدماغ.