فإن كان الكل حقاً فكيف يتصور هذا، وإن كان بعضه حقاً فما ذلك الحق؟ فيقال لك إذا عرفت حقيقة المذهب لا تنفعك قط، إذا الناس فيه فريقان: فريق يقول المذهب اسم مشترك لثلاث مراتب: إحداها ما يتعصب له في المباهاة والمناظرات، والأخرى ما يسار به في التعليمات والإرشادات، والثالث، ما يعتقده الإنسان في نفسه، مما انكشف له من النظريات. ولكل كامل ثلاثة مذاهب بهذا الاعتبار. فأما المذهب بالاعتبار الأول، فهو نمط الآباء والأجداد، ومذهب المعلم ومذهب أهل البلد، الذي فيه النشوء. وذلك يختلف بالبلاد والأقطار، ويختلف بالعلمين. فمن ولد في بلد المعتزلة أو الأشعرية أو الشفعوية أو الحنفية، انغرس في نفسه منذ صباه التعصب له والذبّ دونه والذم لما سواه. فيقال: هو أشعري المذهب أو معتزلي أو شفعوي أو حنفي، ومعناه أنه يتعصب، أي ينصر عصابة المتظاهرين بالموالاة، ويجري ذلك مجرى تناصر القبيلة بعضهم لبعض. ومبدأ هذا التعصب حرص جماعة على طلب الرياسة باستتباع العوام، ولا تنبعث دواعي العوام إلا بجامع يحمل على التظاهر. فجعلت المذاهب في تفصيل الأديان جامعاً، فانقسمت الناس فرقاً وتحركت غوائل الحسد والمنافسة، فاشتد تعصّبهم واستحكم به تناصرهم،