المشايخ من التساهل في هذه الأمور؟ فاعلم أن هذا عين الغرور، وأن المحققين قالوا: لو رأيت إنساناً يمشي على الماء، وهو يتعاطى أمراً يخالف الشرع، فاعلم أنه شيطان، وهو الحق. وذلك أن الشريعة حنيفية سمحة، فمهما مسّت حاجة أو حصلت ضرورة، كان للشرع فيها رخصة. فمن جاوز محل الرخصة، فلا يكون عن ضرورة، بل عن هوى وشهوة. والإنسان ما دام في هذا العالم، لا يؤمن استيلاء الشهوة ودعودها إلى القهر، بعد الإنقهار. فينبغي أن يأخذ منها حذره، فلا يتصور أن يدعو إلى مخالفة الشرع إلا طلب رفاهية ودعة، أو نوع شهوة، أو نوع كسل. وكل ذلك يدل على التصمغ بالأخلاق الردية، المتقاضية لها. فمن زكى نفسه وغذاها بغذاء العلوم الحقيقية، قوي في المواظبة على العبادة بل صارت الصلاة قرة عينه، فصارت خلوة الليل أطيب الأشياء عنده لمناجاة ربه. فهذه العلامة لا بد منها في أول المنازل، وتبقى إلى آخرها، وإن لم يكن لمنازل السير إلى الله تعالى نهاية، وإنما الموت يقطع طريق السلوك، فيبقى كل إنسان بعد الموت على الرتبة التي حصّلها في مدة الحياة، إذ يموت المرء على ما عاش عليه.
العلامة الثانية: أن يكون حاضر القلب مع الله، في كل حال حضوراً ضرورياً غير متكلف، بل حضوراً يعظم تلذذه، وأن يكون الحضور إنكسارأ وضراعة وخضوعاً، لما انكشف عنده