كلهم، لخرب العالم، فكيف ينال بمجرد الفرائض والواجبات، اقتصاراً عليها دون النوافل؟ ولذلك قال تعالى: (لا يزال العبد يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً فبي يسمع وبي يبصر) ، وعلى الجملة لا يدعو إلى إهمال الفرائض، واقتحام المحظورات، إلا كسل لازب، أو هوى غالب. وكيف يسلك سبيل الله من هو يعد في إسراء الكسل والهوى؟ فإذا قلت: فسالك سبيل الله من خاض في مجاهدة الكسل والهوى، فأما من فرغ من قهرها، فهو واصل لا سالك، فيقال: هذا عين الغرور وجهل بالطريق والمقصد جميعاً، بل لو محا جميع الصفات الردية عن نفسه، كان نسبته إلى المقصود نسبة من يقصد الحج، وله غرماء متشبثون بأذياله، فقضى ديونهم وقطع علائقهم. فإن الصفات البدنية المستولية على الناس، مثل الغرماء الآخذين بمخنقه، والسباع العادية الطالبة لأقواتها، فإذا محاها ودفعها، فقد دفع العلائق وبعده يستعد لابتداء السلوك. بل هو كمعتدة تطمع أن ينكحها الخليفة فإذا قضت عدتها المانعة من صحة النكاح، ظنت أن الأمور قد نمت. وهيهات، فلم يحصل منها إلا الاستعداد للقبول بدفع المانع، وبقي إقبال الخليفة وإنعامه بالرغبة، وذلك رزق إلهي. فما كل من تطهّر وصل إلى الجمعة، ولا كل من قضت عدتها وصلت إلى ما أرادت.
فإن قلت: فإن تنتهي رتبة السالك إلى حد ينحط عنه بعض وظائف العبادات، ولا يضره بعض المحظورات، كما نقل عن بعض