مهما كان الإنسان آمناً في سربه، معافى في بدنه، وله قوت يومه، فحزنه وغمه بسبب أمر الدنيا أمارة نقصانه وحماقته، فإن غمه ليس يخلو إما أن يكون تأسفاً على ماضٍ، أو خوفاً من مستقبل، أو حزناً على سبب حاضر في الحال. فإن كان على فائت فالعاقل بصير بأن الجزع لا ما فات لا يلم شعثاً، ولا يرم انتكث. وما لا حيلة له، فالغم عليه خرق. ولذلك قال تعالى: (ِلَكْيلا تَأسُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ) . وقال الشاعر: وهل جزع مجد عليّ فأجزعا.
وإن كان حاضر، فأما أن يكون حسداً لوصول نعمة إلى من يعرفه، أو يكون حزناً للفقر، وفقدان المال والجاه، وأسباب الدنيا. وسبب هذا الجهل بغوائل الدنيا وسمومها، ولو عرفها معرفتها لشكر الله تعالى على كونه من المخففين، دون المثقلين.