العامي بالكامل في تناول الدنيا. وإذا تؤمل ملك سليمان وما أوتي مع رتبة النبوة، علم أن الزهد زهد النفس، لا خلو اليد. وكيف تضّر الدنيا بالأنبياء والأولياء، وهم يعرفون ضرها ونفعها ورتبتها في الوجود، ويعلمون أن للإنسان في وجوده ثلاث منازل: منزلة في بطن أمه، ومنزلة في فضاء العالم، ومنزلة بعد الموت. والدنيا في مثال رباط بني، وينتهي إلى المسافر في المنزل الأوسط، وقد هيئت فيه أسباب وأوان وأقوات ليستعين بها المسافر، وينتفع بها انتفاعه بالعارية والمنحة، ويخليها لمن يلتحق بعده، فيأخذها بشكر ويتركها بانشراح صدر. وقد انتهى إلى الرباط جماعة من الحمقى فظنواأن هذا المنزل وطن، وإلا هذه الأسباب ليست عارية وإنما هي موهبة مؤبدة، فصاروا لا يخرجونها من أيديهم إلا بكسر اليد ونزع الروح. وقيل إن مثل الناس فيما أعطوا من الدنيا كمثل رجل هيأ داراً، وهو يدعو أقواماً إلى داره على الترتيب، واحداً بعد واحد، فأدخل واحداً داره، فقدم إليه طبق ذهب، عليه بخور ورياحين ليشمه ويتركه لمن يلحقه، لا ليتملكه، فجهل رسمه فظنّ أنه وهب له، فلما استرجع منه، ضجر وتفجع. ومن كان عالماً انتفع به، وشكره وردّه بانشراح صدر فهذه وظائف المباشرة لأموال الدنيا.