ويؤيسه عن حقيقة الدرك، لأسباب ذكرناها في كتاب " معيار العلم ". فليتقن الأصول والرأي الذي اختاره استاذه وطريقه. ثم ليخض بعد ذلك في تعريف الشبه وتعقبها، ولهذا نهى الله تعالى من لم يقو في الإسلام عن مخالطة الكفار، حتى قيل كان أحد أسباب تحريم الخنزير ذلك، إذ كان أكثر أطعمة الكفار، فحرّم ذلك ليكون مزجرة للمسلمين عن مؤاكلتهم، التي كانت سبباً للمخالطة. ولهذا يجب صيانة العوام عن مجالس أهل الأهواء، كما يُصان الحرم عن مخالطة المفسدين. فأما من قويت في الدين شكيمته، واستقر في نفسه برهانه وحجته، فلا بأس عليه بالمخالطة، بل الأحب المخالطة والإصغاء إلى الشبه والاشتغال بحلّها، ويكون به مجاهداً. فإن القادر يستحب له التهجم على صف الكفار، والعاجز يكره له ذلك. ومن هذا الأصل غلط من ظنّ أن وظائف الضعفاء كوظائف الأقوياء في الدين، حتى قال بعض مشايخ الصوفية: من رآني في الابتداء قال صدّيقاً، ومن رآني في الانتهاء قال زنديقاً، يعني أن الابتداء يقتضي المجاهدة الظاهرة للأعين بكثرة العبادات، وفي الانتهاء يرجع العمل إلى الباطن، فيبقى القلب على الدوام في عين الشهود والحضور، وتسكن ظواهر الأعضاء،