فإن قلت: قد اتضح لي أن سلوك سبيل السعادة حزم العقلاء، والتهاون بها غفلة الجهال، ولكن كيف يسلك الطريق من لا يعرفه، فبماذا أعلم بأن العلم والعمل هو الطريق، حتى أشتغل به؟ فلك في معرفته طريقان: أحدهما جملى، يناسب المنهاج السابق، وهو أن تلتفت إلى ما اتفق عليه آراء الفرق الثلاث، وقد أجمعوا على أن الفوز والنجاة لا تحصل إلا بالعلم والعمل جميعاً، وأن اتفقوا على أن العلم أشرف من العمل. وكأن العمل متمم له وسائق بالعلم إلى أن يقع موقعه، ولأجله قال الله تعالى: (إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلمُ الطَّيبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) ، والكلم الطيب يرجع إلى العلم عند البحث، فهو الذي يصعد ويقع الموقع، والعمل كالخادم له يرفعه ويحمله. وهذا تنبيه على علو رتبة العلم.