ورب نافع من وجه، ضار من وجه، كإلقاء المال في البحر، عند خوف الغرق فإنه ضار للمال، ونافع في نجاة النفس، والنافع قسمان: قسم ضروري، كالفضائل النفسية، والاتصال إلى سعادة الآخرة، وقسم قد يقوم غير مقامه، فلا يكون ضرورياً، كالسكنجبين في تسكين الصفراء.
التقسيم الرابع: إن اللذات بحسب القوى الثلاث والمشتهيات الثلاثة ثلاث، إذ اللذة هي عبارة عن إدراك المشتهى، والشهوة عبارة عن انبعاث النفس لنيل ما تتشوقه، لذة عقلية أو بدنية مشتركة مع جميع الحيوانات، وبدنية مشتركة مع بعض الحيوانات. أما العقليات، كلذة العلم والحكمة، وهي أقلها وجوداً وأشرفها. أما قتلها، فلأن الحكمة لا يستلذها إلا الحكيم، وقصور الرضيع عن إدراك لذة العسل والطيور السمان والحلاوات الطيبة لا يدل على أنها ليست لذيذة، واستطابته للبن لا تدل على أنه أطيب الأشياء. والناس كلهم إلا النادر ممنون في صبا الجهل بالعنة في رتبة العلم. فلذلك يستلذون الجهل، وقال الشاعر:
ومَنْ يَكُ ذَا فَمٍ مُرٍّ مريضٍ ... يَجِدُ مُرّاً به الماء الزّلالا
وأما أشرفيتها، فلأنها لازمة لا تزول، ودائمة لا تحول،