ويحيط الثوار بدار عثمان رضي الله عنه، ويتسابق الصحابة في الدفاع عنه، ويستعينون بأبنائهم في الوقوف معه، فإذا هو يستقبلهم، ويقسم عليهم أن يكفوا أيديهم، فيسكنوا، حتى إن بعضهم لبس الدرع مرتين، وحتى إن الأنصار يسألونه أن يكونوا أنصار الله مرتين، فيأمرُهم بالكف، ويقول: لا حاجة ليَ في ذلك (?) .
وبذلك يضرب عثمان أروع الأمثلة على قوة يقينه، ورباطة جأشه وشجاعته، وثباته على رأيه فإن أحدًا من الناس في مثل حال عثمان وشأنه، لم يلق ما لقي عثمان، ولا شيئًا منه، ولم يصبر أحد على ما لقي من البلاء والمحنة مثل ما صبر عثمان. وكيف بصبر ينتهي بصاحبه على علم منه وبصيرة إلى الموت قتلا، وكان له لو كان جزوعًا وأراد ألا يصبر عن يقين ورضا مخارج ينفذ منها، ويعيش في خفض من العيش، ولكن عثمان - رضي الله عنه - لم يكن ضعيفًا ولا مستضعفًا كما يزعم القاصرون والمقصرون بل كان قوي الإيمان، عظيم اليقين، كبير النفس، عبقري الشجاعة، نبيل الصبر، نفاذ البصيرة، ففدى الأمة، ووضع لها بذلك أعظم قواعد النظام في تكوينها الاجتماعي (?) .