ƒـ[قلتم في إحدى الفتاوى أن تحكيم غير شرع الله كفر أكبر، ومن تحاكم إلى غير شريعة الله فقد كفر، ثم أجد في فتوى أخرى أن الذهاب إلى الاقتراع أمر جائز، وهذه فتوى الشيخ ابن عثيمين، وغيره من العلماء، مع أن مثل هذه العملية تبنى على الديمقراطية، والديمقراطية تحكيم لغير شرع الله، وهذا ما قرره الشيخ الغنيمان (في فتوى صوتيه للشيخ الغنيمان) فما الحكم الصحيح في مسألة الترشيح، والانتخاب؟ أرجو التوضيح.]ـ
^الحمد لله
لا تعارض – إن شاء الله – بين ما نقلناه في تعريف الديمقراطية، وبيان حكمها، وبين نقلنا لفتوى الشيخ العثيمين رحمه الله، وآخرين، في بيان حكم الترشح والترشيح في الانتخابات؛ وذلك لأن علماءنا لم يقل واحد منهم بجواز العمل بنظام الديمقراطية، تشريعاً، أو تنفيذاً، فلم يفتوا لأحدٍ بأن يكون قاضياً يحكم بين الناس في الدماء، والأموال، والأعراض، بالقوانين الوضعية، ولم يفتوا بجواز تشريع ما يخالف شرع الله تعالى، وإنما كانت فتاواهم في الدخول في مجالس يمكن للداخل فيها أن يخفف من الشر الموجود، أو يمنع ما يمكنه منعه مما فيه مخالفة لشرع الله تعالى، أو تحقيق مصالح شرعية لا يتمكن الناس ـ عادة ـ من تحقيقها دون ذلك.
بل ذهبت فتاواهم لأبعد من هذا، فأفتى بعضهم بجواز انتخاب الكافر إن كان أقلَّ شرّاً من غيره، إن كان لأصواتهم تأثير في الانتخابات، وهذا كله لا يتناقض مع القول بأن الديمقراطية مضادة للدين، وأن الحكم لا يكون إلا لله وحده.
وهذا بيان تفصيل ما سبق:
1. في جواب السؤال رقم (107166) قلنا: " الديمقراطية نظام أرضي، يعني حكم الشعب للشعب، وهو بذلك مخالف للإسلام، فالحكم لله العلي الكبير، ولا يجوز أن يُعطى حق التشريع لأحدٍ من البشر كائناً من كان ".
وفيه:
" من علِم حال النظام الديمقراطي وحكمه ثم رشح نفسه، أو رشح غيره مقرّاً لهذا النظام، عاملاً به: فهو على خطر عظيم، إذ النظام الديمقراطي منافٍ للإسلام، وإقراره والعمل به من موجبات الردة والخروج عن الإسلام.
وأما من رشح نفسه أو رشح غيره في ظل هذا النظام، حتى يدخل ذلك المجلس وينكر على أهله، ويقيم الحجة عليهم، ويقلل من الشر والفساد بقدر ما يستطيع، وحتى لا يخلو الجو لأهل الفساد والإلحاد يعيثون في الأرض فساداً، ويفسدون دنيا الناس ودينهم، فهذا محل اجتهاد، حسب المصلحة المتوقعة من ذلك.
بل يرى بعض العلماء أن الدخول في هذه الانتخابات واجبة ".
2. وفي جواب السؤال رقم (118443) بينا أن المجالس النيابية قد أُفقدت عملها في جانب محاسبة المقصرين، ومنع الفساد، ومثل هذه لم نجوز دخولها؛ لعدم تأثير ذلك في واقع الأمر، وأنه إن وُجد في بعض البلدان لتلك المجالس أثر طيب في منع شر، أو إيقاف فساد، أو محاسبة تقصير: فإنه لا بأس بدخول من يرى في نفسه قدرة على التغيير، وقد اشترطنا في الجواب أن يكون هذا الداخل من أهل الخير من أهل العلم والخبرة.
3. وفي جواب السؤال رقم (3062) بينَّا: أن المصلحة الشرعية تقتضي أحياناً التصويت من باب تخفيف الشر، وتقليل الضرر، كما لو كان المرشحون من غير المسلمين لكن أحدهم أقل عداوة للمسلمين من الآخر، وكان تصويت المسلمين مؤثراً في الاقتراع، وأنه لا بأس بالتصويت له في مثل هذه الحال.
4. وفي جواب السؤال رقم (111898) نقلنا قرار " مجلس المجمع الفقهي الإسلامي " التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، في موضوع " مشاركة المسلم في الانتخابات مع غير المسلمين في البلاد غير الإسلامية "، ونقلنا قولهم بجواز الترشح والترشيح للمسلمين المقيمين في دول الكفر مما تكون مشاركتهم في الانتخابات النيابية تعود بمصالح على المسلمين، وتدرأ عنهم مفاسد، وأن الفتوى في ذلك تختلف باختلاف الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، وكل ذلك مشروط بألا يترتب على مشاركة المسلم في هذه الانتخابات ما يؤدي إلى تفريطه في دينه.
هذا مجمل ما ذكرناه في موقعنا هذا من فتاوى، وأحكام، وهي – كما ترى – لا يخالف بعضها بعضها، فالحكم لله العلي القدير، ولا يجوز لأحدٍ أن يشرِّع ذِكراً للناس، وورداً، سوى ما جاء به الشرع المطهر؛ فكيف نجوِّز تشريع قوانين تحكم على الناس في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم؟!
وبينَّا أن ذم الديمقراطية إنما هو لذاتها، وأما الحكم بجواز الترشح، والترشيح، للانتخابات النيابية: إنما يرجع للمصلحة التي يستفيد منها المسلمون، مع تسليمنا بوجود خلاف بين أهل العلم في هذه المسائل، وأننا نعلم بوجود من يخالف من أهل العلم في ذلك، فيمنع من مشاركة المسلم مطلقاً ترشحاً، وترشيحاً، ومنهم من يمنع ترشحه للانتخابات، ولا يمنع ترشيحه! وما ذكرناه في موقعنا هو ما ترجح لنا في هذه المسألة.
على أننا نشير هنا إلى أن الديمقراطية: لا تعني بحال: الانتخابات النيابية، وهكذا: الانتخابات النيابية: لا تعني ـ أيضا ـ الديمقراطية بمفهومها الغربي؛ إن الانتخابات النيابية، هي مظهر واحد من مظاهر الحياة الديمقراطية؛ وأما الديمقراطية الغربية التي نتكلم عنها، ونتكلم عن مصادمتها لشرع الله، فهي تصور علماني، لا ديني، شامل للحياة السياسية، وهذا أبرز وجوهه الذي يعرفه أكثر الناس من خلاله، والحياة العقدية: حيث يقوم على العلمانية والحرية المطلقة في قضايا الإيمان والكفر، والحياة الاقتصادية التي تتبنى الرأسمالية الغربية، والحياة الاجتماعية، والثقافية..، وبدون هذا التصور الشامل: لا تكون ديموقرطية.
والله أعلم
‰الإسلام سؤال وجواب