من هو الذي يعذر بالجهل في العقيدة والأمورالفقهية

ƒـ[من هم الذي يعذرون بالجهل؟ وهل يعذر الإنسان بجهله في الأمور الفقهية؟ أم في أمور العقيدة والتوحيد؟ وما هو واجب العلماء نحو هذا الأمر؟.]ـ

^الحمد لله

دعوى الجهل والعذر به فيه تفصيل، وليس كل واحد يعذر بالجهل، فالأمور التي جاء بها الإسلام وبينها الرسول صلى الله عليه وسلم للناس وأوضحها كتاب الله وانتشرت بين المسلمين لا تقبل فيها دعوى الجهل، ولا سيما ما يتعلق يالعقيدة وأصل الدين، فإن الله عز وجل بعث نبيه صلى الله عليه وسلم ليوضح للناس دينهم ويشرحه لهم وقد بلغ البلاغ المبين وأوضح للأمة حقيقة دينها وشرح لها كل شيء وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وفي كتاب الله الهدى والنور فإذا ادعى بعض الناس الجهل فيما هو معلوم من الدين بالضرورة، وقد انتشر بين المسلمين، كدعوى الجهل بالشرك وعبادة غير الله عز وجل، أو دعوى أن الصلاة غير واجبة، أو أن صيام رمضان غير واجب أو أن الزكاة غير واجبة، أو أن الحج مع الاستطاعة غير واجب فهذا وأمثاله لا تقبل فيه دعوى الجهل ممن هو بين المسلمين لأنها أمور معلومة بين المسلمين. وقد علمت بالضرورة من دين الإسلام وانتشرت بين المسلمين فلا تقبل دعوى الجهل في ذلك، وهكذا إذا ادعى أحد بأنه يجهل ما يفعله المشركون عند القبور أو عند الأصنام من دعوة الأموات والاستغاثة بهم والذبح لهم والنذر لهم، أو الذبح للأصنام أو الكواكب أو الأشجار أو الأحجار، أو طلب الشفاء أو النصر على الأعداء من الأموات أو الأصنام أو الجن أو الملائكة أو الأنبياء.. فكل هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة وأنه شرك أكبر، وقد أوضح الله ذلك في كتابه الكريم وأوضحه رسوله صلى الله عليه وسلم وبقي ثلاث عشرة سنة في مكة وهو ينذر الناس هذا الشرك وهكذا في المدينة عشرسنين، يوضح لهم وجوب إخلاص العبادة لله وحده ويتلو عليهم كتاب الله مثل قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) الإسراء/23، وقوله سبحانه: (إياك نعبد وإياك نستعين) الفاتحة/5، وقوله عز وجل: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) البينة/5، وقوله سبحانه: فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص) الزمر/2-3، وقوله سبحانه: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) الأنعام/162-163، وبقوله سبحانه مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر) الكوثر1-2، وبقوله سبحانه وتعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) الجن/18، وبقوله سبحانه وتعالى: (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) المؤمنون/117، وهكذا الاستهزاء بالدين والطعن فيه والسخرية به والسب كل هذا من الكفر الأكبر ومما لا يعذر فيه أحد بدعوى الجهل، لأنه معلوم من الدين بالضرورة أن سب الدين أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم من الكفر الأكبر وهكذا الاستهزاء والسخرية، قال تعالى: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) التوبة/65-66.

فالواجب على أهل العلم في أي مكان أن ينشروا هذا بين الناس وأن يظهروه حتى لا يبقى للعامة عذر وحتى ينتشر بينهم هذا الأمر العظيم، وحتى يتركوا التعلق بالأموات والاستعانة بهم في أي مكان في مصر أو الشام أو العراق أو في المدينة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو في مكة أو غير ذلك وحتى ينتبه الحجيج وينتبه الناس ويعلموا شرع الله ودينه، فسكوت العلماء من أسباب هلاك العامة وجهلهم، فيجب على أهل العلم أينما كانوا أن يبلغوا الناس دين الله وأن يعلموهم توحيد الله وأنواع الشرك بالله حتى يدعوا الشرك على بصيرة وحتى يعبدوا الله وحده على بصيرة وهكذا ما يقع عند قبر البدوي أو الحسين رضي الله عنه أو عند قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني أو عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة أو عند غيرهم يجب التنبيه على هذا الأمر وأن يعلم الناس أن العبادة حق لله وحده ليس لأحد فيها حق كما قال الله عز وجل: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) البينة/5، وقال سبحانه: (فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص) البينة/2-3، وقال سبحانه: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) الإسراء/23، يعني أمر ربك، فالواجب على أهل العلم في جميع البلاد الإسلامية وفي مناطق الأقليات الإسلامية وفي كل مكان أن يعلموا الناس توحيد الله وأن يبصروهم بمعنى عبادة الله وأن يحذروهم من الشرك بالله عز وجل الذي هو أعظم الذنوب وقد خلق الله الثقلين ليعبدوه وأمرهم بذلك. لقوله سبحانه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات/56، وعبادته هي: طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وإخلاص العبادة له وتوجيه القلوب إليه، قال تعالى: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة/21.

أما المسائل التي قد تخفى مثل بعض مسائل المعاملات وبعض شؤون الصلاة وبعض شؤون الصيام فقد يعذر فيها الجاهل كما عذر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أحرم في جبة وتلطخ بالطيب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اخلع عنك الجبة واغسل عنك هذا الطيب واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجتك) ولم يأمره بفدية لجهله، وهكذا بعض المسائل التي قد تخفى يعلَّم فيها الجاهل ويبصر فيها، أما أصول العقيدة وأركان الإسلام والمحرمات الظاهرة فلا يقبل في ذلك دعوى الجهل من أي أحد بين المسلمين فلو قال أحد، وهو بين المسلمين، إنني ما أعرف أن الزنا حرام فلا يعذر، أو قال ما أعرف أن عقوق الوالدين حرام فلا يعذر بل يضرب ويؤدب، أو قال ما أعرف أن اللواط حرام فلا يعذر، لأن هذه أمور ظاهرة معروفة بين المسلمين في الإسلام.

لكن لو كان في بعض البلاد البعيدة عن الإسلام أو في مجاهل أفريقيا التي لا يوجد حولها مسلمون قد يقبل منه دعوى الجهل وإذا مات على ذلك يكون أمره إلى الله ويكون حكمه حكم أهل الفترة والصحيح أنهم يمتحنون يوم القيامة، فإن أجابوا وأطاعوا دخلوا الجنة وإن عصوا دخلوا النار، أما الذي بين المسلمين ويقوم بأعمال الكفر بالله ويترك الواجبات المعلومة، فهذا لا يعذر، لأن الأمر واضح والمسلمون بحمد الله موجودون، ويصومون ويحجون وكل هذا معروف بين المسلمين وفاش بينهم فدعوى الجهل في ذلك دعوى باطلة والله المستعان.

‰كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/7، ص/132.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015