يَتْرُكَ جِسْرَ جَهَنَّمَ وَرَاءَهُ " وَرُوِيَ عَنْ مَخَاوِفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مَا لَا يُحْصَى، وَنَحْنُ أَجْدَرُ بِالْخَوْفِ مِنْهُمْ وَلَكِنْ صَدَّتْنَا عَنْ مُلَاحَظَةِ أَحْوَالِنَا غَفْلَتُنَا وَقَسْوَتُنَا، فَلَا قُرْبُ الرَّحِيلِ يُنَبِّهُنَا، وَلَا كَثْرَةُ الذُّنُوبِ تُحَرِّكُنَا، وَلَا خَطَرُ الْخَاتِمَةِ يُزْعِجُنَا.
وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنَّا إِذَا أَرَدْنَا الْمَالَ فِي الدُّنْيَا زَرَعْنَا وَغَرَسْنَا وَاتَّجَرْنَا وَرَكِبْنَا الْبِحَارَ وَالْبَرَارِيَ وَخَاطَرْنَا وَنَجْتَهِدُ فِي طَلَبِ أَرْزَاقِنَا، ثُمَّ إِذَا طَمَحَتْ أَعْيُنُنَا نَحْوَ الْمُلْكِ الدَّائِمِ الْمُقِيمِ قَنَعْنَا بِأَنْ نَقُولَ بِأَلْسِنَتِنَا: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ". وَالَّذِي إِلَيْهِ رَجَاؤُنَا - جَلَّ جَلَالُهُ - يَقُولُ: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) [النَّجْمِ: 39] (وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لُقْمَانَ: 33 وَفَاطِرٍ: 5] (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الِانْفِطَارِ: 6] ثُمَّ كَلُّ ذَلِكَ لَا يُنَبِّهُنَا وَلَا يُخْرِجُنَا عَنْ أَوْدِيَةِ غُرُورِنَا وَأَمَانِينَا، فَمَا هَذِهِ إِلَّا مِحْنَةٌ هَائِلَةٌ إِنْ لَمْ يَتَفَضَّلِ اللَّهُ عَلَيْنَا بِتَوْبَةٍ نَصُوحٍ يَتَدَارَكُنَا بِهَا. فَنَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ.