جَمِيعِ مَوَارِدِهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنِيَّةً فَلَا بُدَّ مِنْ إِزَالَةِ الْعَيْنِ، وَبَقَاءُ اللَّوْنِ بَعْدَ الْحَتِّ وَالْقَرْصِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَيُعْفَى عَنِ الرَّائِحَةِ إِذَا عَسُرَ إِزَالَتُهَا، وَالْعَصْرُ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ يَقُومُ مَقَامَ الْحَتِّ وَالْقَرْصِ فِي اللَّوْنِ، وَالْمُزِيلُ لِلْوَسْوَاسِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ خُلِقَتْ طَاهِرَةً بِيَقِينٍ، فَمَا لَا يُشَاهِدُ عَلَيْهِ نَجَاسَةً وَلَا يَعْلَمُهَا يَقِينًا يُصَلِّي مَعَهَا.
وَمِنْهَا الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ وَيَتَقَدَّمُهَا الِاسْتِنْجَاءُ، فَلْنُورِدْ كَيْفِيَّتَهَا عَلَى التَّرْتِيبِ مَعَ آدَابِهَا وَسُنَنِهَا مُبْتَدِئِينَ بِسَبَبِ الْوُضُوءِ، وَآدَابِ قَاضِي الْحَاجَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
يَنْبَغِي أَنْ يَبْعُدَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ فِي الصَّحْرَاءِ، وَأَنْ يَسْتَتِرَ بِشَيْءٍ إِنْ وَجَدَهُ، وَأَنْ لَا يَكْشِفَ عَوْرَتَهُ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إِلَى مَوْضِعِ الْجُلُوسِ، وَأَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرَهَا، وَأَنْ يَتَّقِيَ الْجُلُوسَ فِي مُتَحَدَّثِ النَّاسِ، وَأَنْ لَا يَبُولَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَتَحْتَ الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ وَفِي الثُّقْبِ، وَأَنْ يَتَّقِيَ الْمَوْضِعَ الصُّلْبَ وَمَهَبَّاتِ الرِّيَاحِ فِي الْبَوْلِ اسْتِنْزَاهًا مِنْ رَشَاشِهِ، وَأَنْ يَتَّكِئَ فِي جُلُوسِهِ عَلَى الرِّجْلِ الْيُسْرَى، وَإِنْ كَانَ فِي بُنْيَانٍ يُقَدِّمُ الرِّجْلَ الْيُسْرَى فِي الدُّخُولِ وَالْيُمْنَى فِي الْخُرُوجِ، وَلَا يَسْتَصْحِبَ شَيْئًا عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الدُّخُولِ: بِسْمِ اللَّهِ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ، وَعِنْدَ الْخُرُوجِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي مَا يُؤْذِينِي وَأَبْقَى عَلَيَّ مَا يَنْفَعُنِي. وَأَنْ يَسْتَبْرِئَ مِنَ الْبَوْلِ بِالنَّتْرِ ثَلَاثًا، وَلَا يُكْثِرُ التَّفَكُّرَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ فَيَتَوَسْوَسَ وَيَشُقَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، وَمَا يُحِسُّ بِهِ مِنْ بَلَلٍ فَيُقَدِّرُ أَنَّهُ بَقِيَّةُ الْمَاءِ، وَقَدْ كَانَ أَخَفُّهُمُ اسْتِبْرَاءً أَفْقَهُهُمْ، فَتَدُلُّ الْوَسْوَسَةُ عَلَى قِلَّةِ الْفِقْهِ، وَمِنَ الرُّخْصَةِ أَنْ يَبُولَ الْإِنْسَانُ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ مُسْتَتِرًا عَنْهُ. فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - مَعَ شِدَّةِ حَيَائِهِ لِيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ذَلِكَ.
ثُمَّ يَسْتَنْجِي لِمَقْعَدَتِهِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَمِثْلُهَا كُلُّ خَشِنٍ طَاهِرٍ ; ثُمَّ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ بِأَنْ يَفِيضَهُ بِالْيُمْنَى عَلَى مَحَلِّ النَّجْوِ وَيُدَلِّكَ بِالْيُسْرَى حَتَّى لَا يُبْقَى أَثَرٌ يُدْرِكُهُ الْكَفُّ بِحِسِّ اللَّمْسِ، وَيَتْرُكَ الِاسْتِقْصَاءَ فِيهِ بِالتَّعَرُّضِ لِلْبَاطِنِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَنْبَعُ الْوَسْوَاسِ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصِلُ إِلَيْهِ الْمَاءُ فَهُوَ بَاطِنٌ، وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ لِلْفَضَلَاتِ الْبَاطِنَةِ مَا لَمْ تَظْهَرْ، وَكُلُّ مَا هُوَ ظَاهِرٌ وَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ فَحَدُّ طُهُورِهِ أَنْ يَصِلَ الْمَاءُ إِلَيْهِ فَيُزِيلَهُ وَلَا مَعْنَى لِلْوَسْوَاسِ.
إِذَا فَرَغَ مِنَ الِاسْتِنْجَاءِ وَأَرَادَ الْقِيَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ، وَيَبْتَدِئُ بِالسِّوَاكِ ثُمَّ يَجْلِسُ لِلْوُضُوءِ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ وَيُسَمِّي ثُمَّ يَغْتَسِلُ يَدَيْهِ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا الْإِنَاءَ، ثُمَّ يَأْخُذُ غُرْفَةً لَفِيهِ فَيَتَمَضْمَضُ بِهَا ثَلَاثًا وَيُغَرْغِرُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا، ثُمَّ يَأْخُذُ غُرْفَةً لِأَنْفِهِ وَيَسْتَنْشِقُ ثَلَاثًا،