وذم المعرضين عن ذلك فقال: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} [الأنبيَاء: 32] ذلك أن التفكر فيها يدل على عظمة خالقها وبانيها، ويدعو إلى تعظيم أمره وشرعه، ويثمر زيادة الإيمان في قلوب ذوي الألباب.
عباد الله لنتأمل ولنتفكر في صنعه في ملكوت «السموات» وعلوها، وسعتها، واستدارتها، وعظم خلقها، وحسن بنائها ولونها. وعجائب شمسها وقمرها وكواكبها، ومقاديرها وأشكالها، وتفاوت مشارقها ومغاربها، فهي أحكم خلقًا، وأتقن صنعًا، وأجمع للعجائب من بدن الإنسان، قال الله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} [النازعات: 27- 29] والأرض والبحار والهواء وكل ما تحت السموات بالإضافة إلى السموات كقطرة في بحر، قال سبحانه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البَقَرَة: 164] فبدأ بذكر خلق السموات؛ ولهذا قل أن تجيء سورة في القرآن إلا وفيها ذكرها: إما إخبارًا عن عظمتها وسعتها، وإما إقسامًا بها، وإما دعاءً إلى النظر فيها، وإما إرشادًا للعباد أن يستدلوا بها على عظمة بانيها ورافعها، وإما استدلالاً منه سبحانه بخلقها على ما أخبر به من المعاد والقيامة، وإما استدلالاً منه بربوبيته لها على وحدانيته وأنه الله الذي لا إله إلا هو، وإما استدلالاً منه بحسنها