وانظر قطعها المتجاورات، وكيف ينزل عليها ماء واحد فتنبت الأزواج المختلفة المتباينة في الشكل واللون والرائحة والطعم والمنفعة كما قال سبحانه: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} [الرعد: 4] .
فكيف كانت هذه الأجنة المختلفة مودعة في بطن هذه الأم وكيف حملها من لقاح واحد صنع الله الذي اتقن كل شيء لا إله إلا هو، ولولا أن هذا من أعظم آياته لما نبه عليه عباده ودعاهم إلى التفكير فيه.
وقال سبحانه: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً} ميتة: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ} فتحركت {وَرَبَتْ} ارتفعت واخضرت {وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحَجّ: 5] فأخرجت عجائب النبات في المنظر والمخبر «بهيج» للناظرين «كريم» للمتناولين فأخرجت الأقوات على اختلافها وتباين مقاديرها وأشكالها وألوانها ومنافعها، والفواكه والثمار وأنواع الأدوية، ومراعي الدواب والطير.
وجعلها ذلولاً على الحكمة في أن لم تكن في غاية الصلابة والشدة كالحديد والحجر فيمتنع حفرها وشقها وشق أنهارها والبناء فيها والغرس والزرع، وبعث النوم عليها والمشي فيها.
ونبه بكونها «قرارًا» على الحكمة في أنها لم تخلق في غاية اللين والرخاوة والدماثة والطين فلا تمسك بناء ولا يستقر عليها الحيوان ولا الأجسام الثقيلة، وكذلك لم يجعلها شفافة لا يستقر عليها النور ولا تقبل السخونة فتبقى في غاية البرد فلا يستقر عليها الحيوان ولا يتأتى فيه النبات، وكذلك لم يجعلها صقيلة براقة لئلا يحترق ما عليها