الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أنقذنا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - من تلك الظلمات، وفتح باب الهدى فلا يغلق إلى يوم الميقات. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أرانا أهل الضلال وهم في ضلالهم يتخبطون، وفي سكرتهم يعمهون، وفي جهالتهم يتقلبون، وفي ريبهم يترددون. يؤمنون- ولكن بالجبت والطاغوت يؤمنون. ويعدلون- ولكن بربهم يعدلون، ويعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، ويسجدون ولكن للصليب والوثن يسجدون، ويمكرون وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بعثه الله إلى الناس كافة، وقال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» أخرجه مسلم. قال الحسن البصري رحمه الله: تصديق ذلك في كتاب الله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هُود: 17] وكان غلام يهودي يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فمرض فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده فقعد عند رأسه فقال له: «أسلم» فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال أطع أبا القاسم، فأسلم فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه من النار» أخرجه البخاري (3/176) وأخرجه أبو داود (3095) .
ومر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدير راهب فناداه: يا راهب. فأشرف، فجعل عمر ينظر إليه ويبكي. فقيل له: يا أمير المؤمنين ما يبكيك من هذا؟ قال: ذكرت قول الله - عز وجل -: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ *