إليه قسمت بينهم الأنوار على حسب نور إيمانهم وإخلاصهم وأعمالهم في الدنيا؛ فنور كالشمس، ونور كالنجم، ونور كالسراج في قوته وضعفه. وترسل الأمانة والرحم على جنبي الصراط فلا يجوزه خائن ولا قاطع. ويختلف مرورهم عليه بحسب اختلاف استقامتهم على الصراط المستقيم في الدنيا فمارٌّ كالبرق، وكالريح، وكالطير وكأجاويد الخيل، وساع، وماش، وزاحف، وحاب حبوًا. وينصب على جنبه كلاليب لا يعلم قد عظمها إلا الله - عز وجل - تعوق من علقت به عن العبور على حسب ما كانت تعوقه الدنيا عن طاعة الله ومرضاته وعبوديته، فناج مسلم، ومخدوش مسلم، ومقطع بتلك الكلاليب ومكردس في النار. وقد طفأ نور المنافقين على الجسر أحوج ما كانوا إليه.
فإذ جاوز المؤمنون الصراط -ولا يجوزه إلا مؤمن- أمنوا من دخول النار، فيحبسون هناك على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في دار الدنيا، حتى إذا هذبوا إذن لهم في دخول الجنة. فإذا استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار أتي بالموت في صورة كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة، فيطلعون وجلين. ثم يقال: يا أهل النار، فيطلعون مستبشرين، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، وكلهم قد عرفه. فيقال: هذا الموت، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت.
فاتقوا الله عباد الله، واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البَقَرَة: 281] بارك
الله ...