ثم يصلي ما كتب الله له صلاة محب ناصح لربه، متذلل منكسر بين يديه، لا صلاة مدل بها عليه، يرى من أعظم نعم الله عليه أن أقامه وأنام غيره، واستزاره وطرد غيره، وأهلَّه وحرم غيره، يرى أن قرة عينه وحياة قلبه وجنة روحه ونعمته ولذته وسروره في تلك الصلاة، فهو يتمنى طول ليله، ويناجيه بكلامه معطيًا لكل آية حظها من العبودية؛ فتجذب قَلْبَه وروحه إليه آياتُ المحبة والوداد، والآيات التي فيها الأسماء والصفات، والآيات التي تعرف بها إلى عباده بآلائه وإنعامه عليهم وإحسانه إليهم. وتُطَيِّبُ له السِّير آيات الرجاء والرحمة وسعة البر والمغفرة. وتقلقه آيات الخوف والعدل والانتقام، وإحلال غضبه بالمعرضين عنه العادلين به غيره المائلين إلى سواه. فإذا صلى ما كتب له جلس مطرقًا بين يدي ربه هيبة له وإجلالاً، واستغفره استغفار من يتيقن أنه هالك إن لم يغفر له ويرحمه. فإذا قضى من الاستغفار وطرًا وكان عليه بعد ليل اضطجع على شقه الأيمن مجمًا نفسه، مريحًا لها، مقويًا لها على أداء وظيفة الفرض، فإذا طلع الفجر صلى السنة وابتهل إلى الله بينها وبين الفريضة، ويكثر من قول: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت. ثم ينهض إلى صلاة الصبح قاصدًا الصف الأول عن يمين الإمام أو خلف قفاه، فإن فاته ذلك قصد القرب منه مهما أمكن؛ فإن صلاة الفجر يشهدها الله - عز وجل - وملائكته شهادة خاصة، وهي شهادة حضور ودنو متصل بدنو الرب ونزوله إلى سماء الدنيا في الشطر الأخير من الليل. فإذا فرغ من صلاة الصبح أقبل بكليته على ذكر الله والتوجه إليه بالأذكار التي شرعت أول النهار فيجعلها وردًا له لا يخل بها أبدًا، ثم يزيد عليها ما شاء الله من الأذكار الفاضلة وتلاوة القرآن حتى تطلع الشمس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015