الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزُّمَر: 53] فصاح صيحة عظيمة، فنظروا إليه فإذا هو قد مات- رحمه الله.
وخرج أبو نعيم بسنده عن سعيد الجريري، قال: قلت للحسن: يا أبا سعيد: الرجل يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، حتى متى؟ قال: ما أعلم هذا إلا أخلاق المؤمنين.
وبقي هنا قسم آخر وهو أشرف الأقسام وأرفعها، وهو من يفني عمره في الطاعة ثم ينبه على قرب الأجل ليجدّ في التزود. ويتهيأ للرحيل بعمل صالح للقاء، ويكون خاتمة للعمل. قال ابن عباس لما نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم -: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النّصر: 1- 3] . نعيت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه، فأخذ في أشد ما كان اجتهادًا في أمر الآخرة. وقالت أم سلمة: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلا قال: «سبحان الله وبحمده» . فذكرت ذلك له. فقال: «إني أمرت بذلك» ، وتلا هذه السورة، وكان من عادته أن يعتكف في كل عام في رمضان عشرًا، ويعرض القرآن على جبريل مرة؛ فاعتكف في ذلك العام عشرين يوما وعرض القرآن مرتين، وكان يقول: «ما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي» ثم حج حجة الوداع، وقال: «أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي، فأجيب» ثم أمر بالتمسك بكتاب الله، ثم توفي بعد وصوله إلى المدينة بيسير - صلى الله عليه وسلم -.
إذا كان سيد المحسنين يؤمر أن يختم عمره بالزيادة، والإحسان فكيف يكون حال المسيء؟ وفي الدعاء المأثور: «اللهم اجعل خير